الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الغنيمة فالكلام فيها في مواضع في تفسير الغنيمة ، وفي بيان ما يملكه الإمام من التصرف في الغنائم ، وفي بيان مكان قسمة الغنائم ، وفي بيان ما يباح الانتفاع به من الغنائم ، وفي بيان كيفية قسمة الغنائم ، وفي بيان مصارفها أما .

                                                                                                                                الأول : فالغنيمة عندنا اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة ، والأخذ على سبيل القهر والغلبة لا يتحقق إلا بالمنعة إما بحقيقة المنعة ، أو بدلالة المنعة ، وهي إذن الإمام وعند الشافعي - رحمه الله - هي اسم للمأخوذ من أهل الحرب كيف ما كان ولا يشترط له المنعة أصلا ، وبيان ذلك في مسائل إذادخل جماعة لهم منعة دار الحرب فأخذوا أموالا منهم ، فإنها تقسم قسمة الغنائم بالإجماع .

                                                                                                                                سواء دخلوا بإذن الإمام ، أو بغير إذنه ; لوجود الأخذ على سبيل القهر والغلبة ; لوجود المنعة القائمة مقام المقاتلة حقيقة ، وأقل المنعة أربعة في ظاهر الرواية ; لقوله عليه الصلاة والسلام { خير الأصحاب أربعة } وروي عن أبي يوسف أنها تسعة ولو دخل من لا منعة له بإذن الإمام ، كان المأخوذ غنيمة في ظاهر الرواية عن أصحابنا ; لوجود المنعة دلالة على ما [ ص: 118 ] نذكره ولو دخل بغير إذن الإمام لم يكن غنيمة عندنا ; لانعدام المنعة أصلا ، وعند الشافعي - رحمه الله - يكون غنيمة .

                                                                                                                                والصحيح قولنا ; لأن الغنيمة والغنم والمغنم في اللغة اسم لمال أصيب من أموال أهل الحرب ، وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب .

                                                                                                                                وكذا إشارة النص دليل عليه وهي قوله - سبحانه وتعالى - { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أشار - سبحانه وتعالى - إلى أنه ما لم يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب لا يكون غنيمة ، وإصابة مال أهل الحرب بإيجاف الخيل والركاب لا يكون إلا بالمنعة ، إما حقيقة أو دلالة ; لأن من لا منعة له لا يمكنه الأخذ على طريق القهر والغلبة ، فلم يكن المأخوذ غنيمة بل كان مالا مباحا ، فيختص به الآخذ كالصيد ، إلا إن أخذاه جميعا فيكون المأخوذ بينهما كما لو أخذا صيدا ، أما عند وجود المنعة فيتحقق الأخذ على سبيل القهر والغلبة .

                                                                                                                                أما حقيقة المنعة فظاهرة ، وكذا دلالة المنعة وهي إذن الإمام ; لأنه لما أذن له الإمام بالدخول فقد ضمن له المعونة بالمدد والنصرة عند الحاجة ، فكان دخوله بإذن الإمام امتناعا بالجيش الكثيف معنى ، فكان المأخوذ مأخوذا على سبيل القهر والغلبة فكان غنيمة ، فهو الفرق ولو اجتمع فريقان أحدهما دخل بإذن الإمام ، والآخر بغير إذنه ولا منعة لهم ، فالحكم في كل فريق عند الاجتماع ما هو الحكم عند الانفراد ، أنه إن تفرد كل فريق بأخذ شيء فلكل فريق ما أخذ ، كما لو انفرد كل فريق بالدخول ، فأخذ شيئا فإن اشترك الفريقان في الأخذ ، فالمأخوذ بينهم على عدد الآخذين ، ثم ما أصاب المأذون لهم بخمس ويكون أربعة أخماسه بينهم مشتركة فيه الآخذ وغير الآخذ ; لأنه غنيمة ، وهذا سبيل الغنائم ، وما أصاب الذين لم يؤذن لهم لا خمس فيه ، فيكون بين الآخذين ، ولا يشاركهم الذين لم يأخذوا ; لأنه مال مباح .

                                                                                                                                وهذا حكم المال المباح على ما بينا هذا إذا اجتمع فريقان ولا منعة لهم ، فأما إذا اجتمعا وكان لهم باجتماعهم منعة ، فما أصاب واحدا منهم أو جماعتهم بخمس ، وأربعة أخماسه بينهم ; لأن المأخوذ غنيمة لوجود المنعة ، فكان وجود الإذن وعدمه بمنزلة واحدة ، ولو كان الذين دخلوا بإذن الإمام لهم منعة ، ثم لحقهم لص أو لصان لا منعة لهما بغير إذن الإمام ثم لقوا قتالا وأصابوا مالا وأصابوا غنائم ، فما أصاب العسكر قبل أن يلحقهم اللص ، فإن هذا اللص لا يشاركهم فيه ، وما أصابوه بعد أن لحق هذا اللص بهم فإنه يشاركهم ; لأن الإصابة قبل اللحاق حصلت بقتال العسكر حقيقة ، وكذلك الإحراز بدار الإسلام ; لأن لهم غنية عن معونة اللص فكان دخوله في الاستيلاء على المصاب قبل اللحاق وعدمه بمنزلة واحدة ، ولا يشبه هذا الجيش إذا لحقهم المدد أنه يشاركهم فيما أصابوا ; لأن الجيش يستعين بالمدد لقوتهم ، فكان الإحراز حاصلا بالكل .

                                                                                                                                وكذلك الإصابة بعد اللحوق حصلت باستيلاء الكل ، لذلك شاركهم بخلاف اللص والله - تعالى - أعلم - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية