الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما ذكر القعدة فالتشهد والكلام في التشهد في مواضع ، في بيان كيفية التشهد ، وفي بيان قدر التشهد ، وفي بيان أنه واجب أو سنة ، وفي بيان سنة التشهد .

                                                                                                                                أما الأول فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في كيفيته وأصحابنا أخذوا بتشهد عبد الله بن مسعود وهو أن يقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، والشافعي أخذ بتشهد عبد الله بن عباس وهو أن يقول : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ومالك أخذ بتشهد عمر رضي الله عنه وهو أن يقول [ ص: 212 ] التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات لله والباقي كتشهد ابن مسعود رضي الله عنه ومن الناس من اختار تشهد أبي موسى الأشعري وهو أن يقول التحيات لله الطيبات والصلوات لله والباقي كتشهد ابن مسعود .

                                                                                                                                وفي هذا حكاية فإنه روي أن أعرابيا دخل على أبي حنيفة فقال : أبواو أم بواوين ؟ فقال : بواوين ، فقال الأعرابي : بارك الله فيك كما بارك في لا ولا ، ثم ولى فتحير أصحابه فسألوه عن سؤاله فقال : إن هذا سألني عن التشهد أبواوين كتشهد ابن مسعود أم بواو كتشهد أبي موسى الأشعري ؟ فقلت : بواوين ، قال : بارك الله فيك كما بارك في شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، وإنما أوردت هذه الحكاية ليعلم كمال فطنة أبي حنيفة ونفاذ بصيرته حيث كان يقف على المراد بحرف تغمده الله برحمته ، احتج الشافعي بأن ابن عباس كان من شبان الصحابة وإنما كان يختار ما استقر عليه الأمر فأما ابن مسعود فهو من الشيوخ ينقل ما كان في الابتداء كما نقل عنه التطبيق وغيره ; ولأن هذا موافق لكتاب الله ; لأن فيه وصف التحية بالبركة على ما قال الله تعالى { تحية من عند الله مباركة طيبة } وفيه ذكر السلام منكرا كما في قوله تعالى { سلام على نوح في العالمين } { سلام على إبراهيم } { سلام على موسى وهارون } { سلام قولا من رب رحيم } فكان الأخذ به أولى .

                                                                                                                                واحتج مالك بأن عمر رضي الله عنه علم الناس التشهد بهذه الصفة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : { أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني السورة من القرآن وقال : قل التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخرها ، وقال : إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك } وأخذ اليد عند التعليم لتأكيد التعليم وتقريره عند المتعلم ، وكذا أمر به بقوله : قل وكذا علق تمام الصلاة بهذا التشهد فمن لم يأت به لا توصف صلاته بالتمام ; ولأن هذا التشهد هو المستفيض في الأمة الشائع في الصحابة فإنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه علم الناس التشهد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان إجماعا ، وكذا روى ابن عمر عن الصديق رضي الله عنهما أنه كان يعلم الناس التشهد كما يعلم الصبيان في الكتاب ، وذكر مثل تشهد ابن مسعود ، وكذا روي عن معاوية أنه علم الناس التشهد على المنبر على نحو ما نقله ابن مسعود ، وكذا المروي عن { علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد } وذكر تشهد ابن مسعود وكذا المروي عن عائشة رضي الله عنها وقالت هكذا تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن تشهد ابن مسعود أبلغ في الثناء ; لأن الواو توجب عطف بعض الكلمات على البعض فكان كل لفظ ثناء على حدة وفيما ذكره ابن عباس إخراج الكلام مخرج الصفة فيكون الكل كلاما واحدا كما في اليمين فإن قوله والله والرحمن والرحيم ثلاثة أيمان ، وقوله والله الرحمن الرحيم يمين واحد وكذا السلام في التشهد مذكور بالألف واللام ، وفي ذلك التشهد مذكور على طريق التنكير ولا شك أن اللام أبلغ ; لأن اللام لاستغراق الجنس مع أن هذا موافق لكتاب الله أيضا قال الله تعالى { والسلام على من اتبع الهدى } { والسلام علي يوم ولدت } وما ذكر الشافعي من الترجيح غير سديد ; لأنه يؤدي إلى تقديم رواية الأحداث على رواية المهاجرين ، واحد لا يقول به وما ذكره مالك ضعيف فإن أبا بكر رضي الله عنه علم الناس التشهد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو تشهد ابن مسعود فكان الأخذ به أولى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية