الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما في القعدة الأخيرة فيدعو بعد التشهد ويسأل حاجته لقوله تعالى { فإذا فرغت فانصب } جاء في التفسير أن المراد منه الدعاء في آخر الصلاة فانصب للدعاء ، وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود : { إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ، ثم اختر من الدعوات ما شئت } ولكن ينبغي أن يدعو بما لا يشبه كلام الناس حتى يكون خروجه من الصلاة على وجه السنة وهو إصابة لفظة السلام ، وفسره أصحابنا فقالوا : ما يشبه كلام الناس هو ما لا يستحيل سؤاله من غيره تعالى كقوله أعطني كذا أو زوجني امرأة ، وما لا يشبه كلام الناس هو ما يستحيل سؤاله من غيره كقوله : اللهم اغفر لي ونحو ذلك ، ثم لم يذكر في الأصل أنه يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                وذكر الطحاوي في مختصره أنه بعد التشهد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بحاجته ويستغفر لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين وللمؤمنين والمؤمنات وهذا هو الصحيح أن يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء ليكون أقرب إلى الإجابة ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله ثم بالصلاة علي ثم بالدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم } ما هو المعروف المتداول على ألسنة الأمة ، ولا يكره أن يقول فيها : وارحم محمدا عند عامة المشايخ ، وبعضهم كرهوا ذلك وزعموا أنه يوهم التقصير منه في الطاعة ولهذا لا يقال عند ذكره : رحمه الله والصحيح أنه لا يكره ; لأن أحدا وإن جل قدره من العباد لا يستغني عن رحمة الله تعالى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا يدخل الجنة أحد بعمله إلا برحمة الله قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته } دل عليه أنه جاز قوله : اللهم صل على محمد والصلاة من الله رحمة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ليست بفرض عندنا بل هي سنة مستحبة ، وعند الشافعي فرض لا تجوز الصلاة بدونها وهي اللهم صل على محمد ، وله في فرضية الصلاة في الأولى قولان واحتج بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } ومطلق الأمر للفرضية ، وقال صلى الله عليه وسلم { : لا صلاة لمن لم يصل علي في صلاته } ولنا ما روينا من حديث ابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتمام الصلاة عند القعود قدر التشهد من غير شرط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة في الآية ; لأن المراد منها الندب بدليل ما روينا وروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة في الصلاة على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار بل يقتضي الفعل مرة واحدة ، وقد قال الكرخي من أصحابنا : إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض العمر كالحج ، وليس في الآية تعيين حالة الصلاة والحديث محمول على نفي الكمال لقوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } وبه نقول .

                                                                                                                                وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير حالة الصلاة فقد كان الكرخي يقول : إنها فريضة على كل بالغ عاقل في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي : كلما ذكره أو سمع اسمه تجب .

                                                                                                                                وجه قول الكرخي ما ذكرنا أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار فإذا امتثل مرة في الصلاة أو في غيرها سقط الفرض عنه كما يسقط فرض الحج بالحج مرة واحدة .

                                                                                                                                وجه ما ذكره الطحاوي أن سبب وجوب الصلاة هو الذكر أو السماع ، والحكم يتكرر بتكرر السبب كما يتكرر وجوب الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات بتكرر أسبابها .

                                                                                                                                وأما بيان أنه واجب أو سنة ، فأما التشهد في القعدة الأولى فواجب استحسانا وقال القاضي أبو جعفر الأسروشني : إنه سنة وهذا أقرب إلى القياس ; لأن ذكر التشهد أدنى رتبة من القعدة ألا ترى أن القعدة الأخيرة لما كانت فرضا كانت القراءة فيها واجبة ؟ فالقعدة الأولى لما كانت واجبة يجب أن تكون القراءة فيها سنة ليظهر انحطاط رتبته والصحيح أنه واجب فإن محمدا أوجب سجود السهو بتركه ساهيا وأنه لا يجب إلا [ ص: 214 ] بترك الواجب على ما ذكرنا فيما تقدم وكذا في القعدة الأخيرة عندنا حتى لو تركه عمدا لا تفسد صلاته ولكن يكون مسيئا ، ولو تركه سهوا يلزمه سجود السهو وعند الشافعي فرض حتى لا تجوز الصلاة بدونه وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية