الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                مطلب غسل الوجه ( وأما ) أركان الوضوء فأربعة : ( أحدها ) : غسل الوجه مرة واحدة ، لقوله تعالى { فاغسلوا وجوهكم } ، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار ، ولم يذكر في ظاهر الرواية حد الوجه ، وذكر في غير رواية الأصول أنه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن ، وإلى شحمتي الأذنين ، وهذا تحديد صحيح ; لأنه تحديد الشيء بما ينبئ عنه اللفظ لغة ; لأن الوجه اسم لما يواجه الإنسان ، أو ما يواجه إليه في العادة ، والمواجهة تقع بهذا المحدود ، فوجب غسله قبل نبات الشعر ، فإذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء ، وقال أبو عبد الله البلخي : إنه لا يسقط غسله وقال الشافعي : إن كان الشعر كثيفا يسقط ، وإن كان خفيفا لا يسقط .

                                                                                                                                وجه قول أبي عبد الله أن ما تحت الشعر بقي داخلا تحت الحد بعد نبات الشعر ، فلا يسقط غسله وجه قول الشافعي أن السقوط لمكان الحرج ، ، والحرج في الكثيف لا في الخفيف .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الواجب غسل الوجه ، ولما نبت الشعر خرج ما تحته من أن يكون وجها ، لأنه لا يواجه إليه ، فلا يجب غسله ، وخرج الجواب عما قاله أبو عبد الله ، وعما قاله الشافعي أيضا ، لأن السقوط في الكثيف ليس لمكان الحرج ، بل لخروجه من أن يكون وجها لاستتاره بالشعر ، وقد وجد ذلك في الخفيف ، وعلى هذا الخلاف غسل ما تحت الشارب والحاجبين .

                                                                                                                                وأما الشعر الذي يلاقي الخدين ، وظاهر الذقن ، فقد روى ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة ، وزفر ، أنه إذا مسح من لحيته ثلثا ، أو ربعا جاز ، وإن مسح أقل من ذلك لم يجز .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف إن لم [ ص: 4 ] يمسح شيئا منها جاز ، وهذه الروايات مرجوع عنها ، ، والصحيح أنه يجب غسله ; لأن البشرة خرجت من أن تكون وجها ، لعدم معنى المواجهة لاستتارها بالشعر ، فصار ظاهر الشعر الملاقي لها هو الوجه ، لأن المواجهة تقع إليه ، وإلى هذا أشار أبو حنيفة فقال : وإنما مواضع الوضوء ما ظهر منها ، والظاهر هو الشعر لا البشرة ، فيجب غسله ، ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية عندنا ، وعند الشافعي يجب ( له ) أن المسترسل تابع لما اتصل ، والتبع حكمه حكم الأصل .

                                                                                                                                و ( لنا ) أنه إنما يواجه إلى المتصل عادة ، لا إلى المسترسل ، فلم يكن المسترسل وجها ، فلا يجب غسله ، ويجب غسل البياض الذي بين العذار والأذن ، في قول أبي حنيفة ، ومحمد .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه لا يجب لأبي يوسف أن ما تحت العذار لا يجب غسله مع أنه أقرب إلى الوجه ، فلأن لا يجب غسل البياض أولى ، ولهما أن البياض داخل في حد الوجه ، ولم يستر بالشعر فبقي واجب الغسل كما كان ، بخلاف العذار .

                                                                                                                                وإدخال الماء في داخل العينين ليس بواجب ; لأن داخل العين ليس بوجه ; لأنه لا يواجه إليه ; ولأن فيه حرجا ، وقيل : إن من تكلف لذلك من الصحابة كف بصره ، كابن عباس ، وابن عمر رضي الله عنهم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية