الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها صوم يوم الشك بنية رمضان ، أو بنية مترددة ، أما بنية رمضان فلقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يصام اليوم الذي يشك فيه من رمضان إلا تطوعا } وعن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أنهم كانوا ينهون عن صوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان ولأنه يريد أن يزيد في رمضان .

                                                                                                                                وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : لأن أفطر يوما من رمضان ثم أقضيه أحب إلي أن أزيد فيه ما ليس منه وأما النية المترددة : بأن نوى أن يكون صومه عن رمضان إن كان اليوم من رمضان ، وإن لم يكن يكون تطوعا فلأن النية المترددة لا تكون نية حقيقة لأن النية تعيين للعمل ، والتردد يمنع التعيين .

                                                                                                                                وأما صوم يوم الشك بنية التطوع : فلا يكره عندنا ويكره عند الشافعي ، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم } ولنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا يصام اليوم الذي يشك فيه من رمضان إلا تطوعا } ، استثنى التطوع ، والمستثنى يخالف حكمه حكم المستثنى منه .

                                                                                                                                وأما الحديث : فالمراد منه صوم يوم الشك عن رمضان لأن المروي أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن صوم يوم الشك عن رمضان وقال : من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم } أي : صام عن رمضان واختلف المشايخ في أن الأفضل أن يصوم فيه تطوعا ، أو يفطر ، أو ينتظر قال بعضهم : الأفضل أن يصوم لما روي عن عائشة وعلي رضي الله عنهما أنهما كانا يصومان يوم الشك بنية التطوع ويقولان لأن نصوم يوما من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوما من رمضان ، فقد صاما ونبها على المعنى ، وهو أنه يحتمل أن يكون هذا اليوم من رمضان ويحتمل أن يكون من شعبان ، فلو صام لدار الصوم بين أن يكون من رمضان ، وبين أن يكون من شعبان ، ولو أفطر لدار الفطر بين أن يكون في رمضان وبين أن يكون في شعبان ، فكان الاحتياط في الصوم ، وقال بعضهم : الإفطار أفضل ، وبه كان يفتي محمد بن سلمة وكان يضع كوزا له بين يديه يوم الشك ، فإذا جاءه مستفت عن صوم يوم الشك أفتاه بالإفطار وشرب من الكوز بين يدي المستفتي ، وإنما كان يفعل كذلك لأنه لو أفتى بالصوم لاعتاده الناس فيخاف أن يلحق بالفريضة ، وقال بعضهم : يصام سرا ولا يفتى به العوام لئلا يظنه الجهال زيادة على صوم رمضان .

                                                                                                                                هكذا روي عن أبي يوسف أنه استفتي عن صوم يوم الشك فأفتى بالفطر ثم قال للمستفتي : تعال فلما دنا منه أخبره سرا فقال : إني صائم .

                                                                                                                                وقال بعضهم ينتظر فلا يصوم ولا يفطر فإن تبين [ ص: 79 ] قبل الزوال ، أنه من رمضان عزم على الصوم ، وإن لم يتبين أفطر لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين أي : غير آكلين ولا عازمين على الصوم ، إلا إذا كان صائما قبل ذلك } فوصل يوم الشك به .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية