الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو رأوا يوم الشك الهلال بعد الزوال أو قبله فهو لليلة المستقبلة في قول أبي حنيفة ومحمد ولا يكون ذلك اليوم من رمضان ، وقال أبو يوسف : إن كان بعد الزوال فكذلك وإن كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية ويكون ذلك اليوم من رمضان ، والمسألة مختلفة بين الصحابة .

                                                                                                                                وروي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وأنس مثل قولهما .

                                                                                                                                وروي عن عمر رضي الله عنه رواية أخرى مثل قوله وهو قول علي وعائشة رضي الله عنهما .

                                                                                                                                وعلى هذا الخلاف هلال شوال إذا رأوه يوم الشك وهو يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة عندهما ، ويكون اليوم من رمضان ، وعنده إن رأوه قبل الزوال يكون لليلة الماضية ويكون اليوم يوم الفطر ، والأصل عندهما أنه لا يعتبر في رؤية الهلال قبل الزوال ولا بعده وإنما العبرة لرؤيته قبل غروب الشمس ، وعنده يعتبر وجه قول أبي يوسف إن الهلال لا يرى قبل الزوال عادة ، إلا أن يكون لليلتين ، وهذا يوجب كون اليوم من رمضان في هلال رمضان ، وكونه يوم الفطر في هلال شوال ، ولهما قول النبي صلى الله عليه وسلم { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } أمر بالصوم ، والفطر بعد الرؤية ، وفيما قاله أبو يوسف يتقدم وجوب الصوم ، والفطر على الرؤية وهذا خلاف النص ، ولو أن أهل مصر لم يروا الهلال فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا وفيهم رجل صام يوم الشك بنية رمضان ثم رأوا هلال شوال عشية التاسع ، والعشرين من رمضان فصام أهل المصر تسعة وعشرين يوما وصام ذلك الرجل ثلاثين يوما فأهل المصر قد أصابوا وأحسنوا وأساء ذلك الرجل وأخطأ لأنه خالف السنة إذ السنة أن يصام رمضان لرؤية الهلال إذا كانت السماء مصحية ، أو بعد شعبان ثلاثين يوما كما نطق به الحديث .

                                                                                                                                وقد عمل أهل المصر بذلك وخالف الرجل فقد أصاب أهل المصر وأخطأ الرجل ولا قضاء على أهل المصر لأن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين يوما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { الشهر هكذا وهكذا وأشار إلى جميع أصابع يديه ثم قال : الشهر هكذا وهكذا ثلاثا وحبس إبهامه في المرة الثالثة } فثبت أن الشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين وقد روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : { صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما } ولو صام أهل بلد ثلاثين يوما وصام أهل بلد آخر تسعة وعشرين يوما فإن كان صوم أهل ذلك البلد برؤية الهلال وثبت ذلك عند قاضيهم ، أو عدوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا رمضان فعلى أهل البلد الآخر قضاء يوم لأنهم أفطروا يوما من رمضان لثبوت الرمضانية برؤية أهل ذلك البلد ، وعدم رؤية أهل البلد لا يقدح في رؤية أولئك ، إذ العدم لا يعارض الوجود ، وإن كان صوم أهل ذلك البلد بغير رؤية هلال رمضان أو لم تثبت الرؤية عند قاضيهم ولا عدوا شعبان ثلاثين يوما فقد أساءوا حيث تقدموا رمضان بصوم يوم .

                                                                                                                                وليس على أهل البلد الآخر قضاؤه لما ذكرنا أن الشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين ، هذا إذا كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف فيها المطالع ، فأما إذا كانت بعيدة فلا يلزم أحد البلدين حكم الآخر لأن مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة تختلف فيعتبر في أهل كل بلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر .

                                                                                                                                وحكي عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استفتي في أهل إسكندرية أن الشمس تغرب بها ومن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير .

                                                                                                                                فقال : يحل لأهل البلد الفطر ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه ولو صام أهل مصر تسعة وعشرين وأفطروا للرؤية وفيهم مريض لم يصم فإن علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة وعشرين يوما لأن القضاء على قدر الفائت ، والفائت هذا القدر فعليه قضاء هذا القدر وإن لم يعلم هذا الرجل ما صنع أهل مصره ، صام ثلاثين يوما لأن الأصل في الشهر ثلاثون يوما ، والنقصان عارض فإذا لم يعلم عمل بالأصل ، وقالوا فيمن أفطر شهرا لعذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة وعشرين يوما ، إن عليه قضاء يوم آخر لأن المعتبر عدد الأيام التي أفطر فيها دون الهلال لأن القضاء على قدر الفائت ، والفائت ثلاثون يوما فيقضي يوما آخر تكملة الثلاثين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية