الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى المعتكف فيه : فالمسجد وإنه شرط في [ ص: 113 ] نوعي الاعتكاف : الواجب والتطوع ; لقوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وصفهم بكونهم عاكفين في المساجد مع أنهم لم يباشروا الجماع في المساجد ; لينهوا عن الجماع فيها فدل أن مكان الاعتكاف هو المسجد ويستوي فيه الاعتكاف الواجب والتطوع ; لأن النص مطلق ثم ذكر الكرخي أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مساجد الجماعات يريد به الرجل وقال الطحاوي : إنه يصح في كل مسجد .

                                                                                                                                وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه لا يجوز إلا في مسجد تصلى فيه الصلوات كلها ، واختلفت الرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه روي عنه أنه لا يجوز إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس كأنه ذهب في ذلك إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام ، } .

                                                                                                                                وروي أنه قال : { لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى } وفي رواية : ومسجد الأنبياء ولنا عموم قوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : الاعتكاف في كل مسجد له إمام ومؤذن } والمروي أنه لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام : إن ثبت فهو على التناسخ ; لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في مسجد المدينة فصار منسوخا بدلالة فعله ; إذ فعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلح ناسخا لقوله أو يحمل على بيان الأفضل كقوله { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } أو على المجاورة على قول من لا يكرهها .

                                                                                                                                وأما الحديث الآخر إن ثبت فيحمل على الزيارة أو على بيان الأفضل فأفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في المسجد الأقصى ثم في المسجد الجامع ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها وعظم .

                                                                                                                                أما المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد ما خلا المسجد الحرام } ; ولأن للمسجد الحرام من الفضائل ما ليس لغيره ، من كون الكعبة فيه ولزوم الطواف به ثم بعده مسجد المدينة ; لأنه مسجد أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم ثم مسجد بيت المقدس ; لأنه مسجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولإجماع المسلمين على أنه ليس بعد المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد أفضل منه ثم المسجد الجامع ; لأنه من مجمع المسلمين لإقامة الجمعة ثم بعده المساجد الكبار ; لأنها في معنى الجوامع لكثرة أهلها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية