الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل

إيثار الأنفع

وكل واحد من الفعل والترك الاختياريين إنما يؤثره الحي لما فيه من حصول المنفعة [ ص: 193 ] التي يلتذ بحصولها ، أو زوال الألم الذي يحصل له الشفاء بزواله ، ولهذا يقال : شفى صدره ، وشفى قلبه ، وقال :


هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول



وهذا مطلوب يؤثره العاقل بل الحيوان البهيم ، ولكن يغلط فيه أكثر الناس غلطا قبيحا ، فيقصد حصول اللذة بما يعقب عليه أعظم الألم ، فيؤلم نفسه من حيث يظن أنه يحصل لذتها ، ويشفي قلبه بما يعقب عليه غاية المرض ، وهذا شأن من قصر نظره على العاجل ولم يلاحظ العواقب ، وخاصة العقل الناظر في العواقب ، فأعقل الناس من آثر لذته وراحته في الآجلة الدائمة على العاجلة المنقضية الزائلة ، وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما ، بلذة منقضية مشوبة بالآلام والمخاوف ، وهي سريعة الزوال وشيكة الانقضاء .

قال بعض العلماء : " فكرت فيما يسعى فيه العقلاء ، فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد وإن اختلفت طرقهم في تحصيله ، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم ، فهذا بالأكل والشرب ، وهذا بالتجارة والكسب ، وهذا بالنكاح ، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة ، وهذا باللهو واللعب ، فقلت : هذا المطلوب مطلوب العقلاء ، ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه ، بل لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده ، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقا موصلة إليه إلا الإقبال على الله وحده ، ومعاملته وحده ، وإيثار مرضاته على كل شيء " .

فإن سالك هذا الطريق إن فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي لا فوت معه ، وإن حصل للعبد حصل له كل شيء ، وإن فاته فاته كل شيء ، وإن ظفر بحظه من الدنيا ناله على أهنأ الوجوه ، فليس للعبد أنفع من هذه الطرق ، ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية