الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 646 ] ذكر الوقت الذي أرسل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم

بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ، وكان على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي عاملا للفرس على العرب .

قال ابن عباس من راوية حمزة وعكرمة عنه وأنس بن مالك وعروة بن الزبير : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث وأنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة .

وقال ابن عباس من راوية عكرمة أيضا عنه وسعيد بن المسيب : إنه أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وأربعين سنة .

وكان نزول الوحي عليه يوم الاثنين بلا خلاف . واختلفوا في أي الأثانين كان ذلك ، فقال أبو قلابة الجرمي : أنزل الفرقان على النبي - صلى الله عليه وسلم - لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، وقال آخرون : كان ذلك لتسع عشرة مضت من رمضان .

وكان - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يظهر له جبرائيل يرى ويعاين آثارا من آثار من يريد الله إكرامه [ ص: 647 ] بفضله . وكان من ذلك ما ذكرت من شق الملكين بطنه واستخراجهما ما في قلبه من الغل والدنس .

ومن ذلك أنه كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه ، فكان يلتفت يمينا وشمالا فلا يرى أحدا ، وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك .

قال عامر بن ربيعة : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : إنا لننتظر نبيا من ولد إسماعيل ، ثم من بني عبد المطلب ، ولا أراني أدركه ، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك حياة ورأيته فأقرئه مني السلام ، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك . قلت : هلم . قال : هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولا بكثر الشعر ولا بقليله ، ولا يفارق عينه حمرة ، وخاتم النبوة بين كتفيه ، واسمه أحمد ، وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثم يخرجه قومه ويكرهون ما جاء به ، ويهاجر إلى يثرب فيظهر بها أمره ، فإياك أن تنخدع عنه ، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول : هذا الدين وراءك ، وينعتونه مثل ما نعته لك ، ويقولون : لم يبق نبي غيره .

قال عامر : فلما أسلمت أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول زيد وأقرأته السلام . فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترحم عليه وقال : قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا
.

وقال جبير بن مطعم : كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر . نحرنا جزورا ، فإذا صائح يصيح من جوف الصنم : اسمعوا إلى العجب ، ذهب استراق الوحي ، ونرمى بالشهب ، لنبي بمكة اسمه أحمد ، مهاجره إلى يثرب . قال : فأمسكنا وعجبنا ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

والأخبار عن دلائل نبوته كثيرة ، وقد صنف العلماء في ذلك كتبا كثيرة ذكروا فيها كل عجيبة ، ليس هذا موضع ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية