الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك الملك الأشرف مدينة دمشق .

وفي هذه السنة يوم الاثنين ثاني شعبان ، ملك الملك الأشرف ابن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه صلاح الدين داود بن المعظم .

وسبب ذلك ما ذكرناه أن صاحب دمشق لما خاف من عمه الملك الكامل ، أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده ، ويستعين به على دفع الكامل عنه ، فسار إليه من البلاد الجزرية ، ودخل دمشق ، وفرح به صاحبها وأهل البلد . وكانوا قد احتاطوا ، وهم يتجهزون للحصار ، فأمر بإزالة ذلك ، وترك ما عزموا عليه من الاحتياط ، وحلف لصاحبها على المساعدة والحفظ له ولبلاده عليه ، وراسل الملك الكامل واصطلحا ، وظن صاحب دمشق أنه معهما في الصلح .

وسار الأشرف إلى أخيه الكامل ، واجتمعا في ذي الحجة من سنة خمس وعشرين ، يوم العيد ، وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها ، وعاد الملك الأشرف من عند أخيه ، واجتمع هو وصاحب دمشق ، ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر ، فبينما هما جالسان في خيمة لهما ، إذ قد دخل عز الدين أيبك ، مملوك المعظم الذي كان صاحب دمشق ، وهو أكبر أمير مع ولده ، فقال لصاحبه داود : قم اخرج وإلا [ ص: 436 ] قبضت الساعة ، فأخرجه ، ولم يمكن الأشرف منعه ; لأن أيبك كان قد أركب العسكر الذي لهم جميعه ، وكانوا أكثر من الذين مع الأشرف ، فخرج داود وسار هو وعسكره إلى دمشق .

وكان سبب ذلك أن أيبك قيل له : إن الأشرف يريد القبض على صاحبه وأخذ دمشق منه ، ففعل ذلك ، فلما عادوا ، وصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف ، وسار فنازل دمشق وحصرها ، وأقام محاصرا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل ، فحينئذ اشتد الحصار ، وعظم الخطب على أهل البلد ، وبلغت القلوب الحناجر .

وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل ; لأن أمواله بالكرك ، ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئا ، فاحتاج إلى أن باع حلي نسائه وملبوسهن ، وضاقت الأمور عليه ، فخرج إلى عمه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك ، والغور ، وبيسان ، ونابلس ، وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها .

وتسلم الكامل دمشق ، وجعل نائبه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها ، والرقة وسروج ، ورأس عين من الجزيرة ، فلما تسلم ذلك ، سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف ، فدخلها وأقام بها ، وسار الكامل إلى الديار الجزرية ، فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط ، فلما حضر عنده بالرقة ، عاد الكامل إلى ديار مصر ، وأما الأشرف فكان منه ما نذكره ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية