الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر اعتزال الخوارج عليا ورجوعهم إليه

ولما رجع علي من صفين فارقه الخوارج ، وأتوا حروراء ، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا ، ونادى مناديهم : إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري ، والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله - عز وجل - ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . فلما سمع علي ذلك وأصحابه قامت الشيعة فقالوا له : في أعناقنا بيعة ثانية ، نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت . فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان ، بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى . فقال لهم زياد بن النضر : [ ص: 679 ] والله ما بسط علي يده فبايعناه قط ، إلا على كتاب الله وسنة نبيه ، ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته فقالوا له : نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت ، ونحن كذلك ، وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل .

وبعث علي عبد الله بن عباس إلى الخوارج وقال : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك . فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه ، فلم يصبر حتى راجعهم ، فقال : ما نقمتم من الحكمين وقد قال تعالى : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ، فكيف بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت الخوارج : أما ما جعل الله حكمه إلى الناس ، وأمرهم بالنظر فيه ، فهو إليهم ، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا ( فيه ، حكم في الزاني مائة جلدة ، وفي السارق القطع ، فليس للعباد أن ينظروا ) في هذا ، قال ابن عباس : فإن الله تعالى يقول : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) . فقالوا : أو تجعل الحكم في الصيد والحرث ، وبين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين ؟ وقالوا له : أعدل عندك عمرو بن العاص ، وهو بالأمس يقاتلنا ؟ فإن كان عدلا فلسنا بعدول ، وقد حكمتم في أمر الله الرجال ، وقد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه ، أن يقتلوا أو يرجعوا ، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا ، وجعلتم بينكم الموادعة ، وقد قطع الله الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب ، مذ نزلت براءة إلا من أقر بالجزية .

وبعث علي زياد بن النضر فقال : انظر بأي رؤوسهم [ هم ] أشد إطافة . فأخبره بأنه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيد بن قيس .

فخرج علي في الناس حتى دخل إليهم ، فأتى فسطاط يزيد بن قيس ، فدخله فصلى فيه ركعتين ، وأمره على أصبهان والري ، ثم خرج حتى انتهى إليهم ، وهم يخاصمون ابن عباس ، فقال : ألم أنهك عن كلامهم ؟ ثم تكلم فقال : اللهم هذا مقام من يفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة . ثم قال لهم : من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكوا . قال : فما أخرجكم علينا ؟ قالوا : حكومتك يوم صفين . قال : أنشدكم الله ، أتعلمون أنهم حيث [ ص: 680 ] رفعوا المصاحف وقلتم نجيبهم ، قلت لكم : إني أعلم بالقوم منكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ؟ وذكر ما كان قال لهم ، ثم قال لهم : قد اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ، وإن أبيا فنحن عن حكمهما برآء .

قالوا : فخبرنا ، أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : إنا لسنا حكمنا الرجال ، إنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين ، لا ينطق إنما يتكلم به الرجال . قالوا : فخبرنا عن الأجل ، لم جعلته بينكم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ، ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة ، ادخلوا مصركم - رحمكم الله - . فدخلوا من عند آخرهم .

قيل : والخوارج يزعمون أنهم قالوا له : صدقت ، قد كنا كما ذكرت ، وكان ذلك كفرا منا ، تبنا إلى الله ، فتب كما تبنا نبايعك ، وإلا فنحن مخالفون . فبايعنا علي ، وقال : ادخلوا ، فلنمكث ستة أشهر حتى نجبي المال ، ويسمن الكراع ، ثم نخرج إلى عدونا . وقد ( كذب الخوارج فيما زعموا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية