الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بيعة أهل خراسان سلم بن زياد وأمر عبد الله بن خازم

ولما بلغ سلم بن زياد ، وهو بخراسان ، موت يزيد كتم ( ذلك ، فقال ابن عرادة :


يا أيها الملك المغلق بابه حدثت أمور شأنهن عظيم     قتلى بحرة والذين بكابل
ويزيد أعلن شأنه المكتوم     أبني أمية إن آخر ملككم
جسد بحوارين ثم مقيم     طرقت منيته وعند وساده
كوب وزق راعف مرثوم

[ ص: 246 ]     ومرنة تبكي على نشوانه
بالصبح تقعد مرة وتقوم



فلما أظهر شعره أظهر سلم موت يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد ودعا الناس إلى البيعة على الرضى حتى يستقيم أمر الناس على خليفة ، فبايعوه ثم نكثوا به بعد شهرين ، وكان محسنا إليهم محبوبا فيهم ، فلما خلع عنهم استخلف عليهم المهلب بن أبي صفرة ، ولما كان بسرخس لقيه سليمان بن مرثد ، أحد بني قيس بن ثعلبة بن ربيعة ، فقال له : ضاقت عليك نزار حتى خلفت على خراسان رجلا من اليمن ؟ يعني المهلب ، وكان أزديا والأزد من اليمن ، فولاه مرو الروذ والفارياب والطالقان والجوزجان ، وولى أوس بن ثعلبة بن زفر ، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة ، هراة ، فلما وصل إلى نيسابور لقيه عبد الله بن خازم فقال : من وليت خراسان ؟ فأخبره ، فقال : أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل واليمن ؟ اكتب لي عهدا على خراسان .

فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم .

وسار ابن خازم إلى مرو ، وبلغ خبره المهلب فأقبل واستخلف رجلا من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، فلما وصلها ابن خازم منعه الجشمي وجرت بينهما مناوشة ، فأصابت الجشمي رمية بحجر في جبهته ، وتحاجزوا ، ودخلها ابن خازم ، ومات الجشمي بعد ذلك بيومين .

ثم سار ابن خازم إلى سليمان بن مرثد بمرو الروذ فقاتله أياما فقتل سليمان ، ثم سار إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان فاقتتلوا طويلا فقتل عمرو بن مرثد وانهزم أصحابه فلحقوا بهراة بأوس بن ثعلبة ، ورجع ابن خازم إلى مرو وهرب من كان بمرو الروذ من بكر بن وائل إلى هراة وانضم إليها من كان بكور خراسان من بكر وكثر جمعهم وقالوا لأوس بن ثعلبة : نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم وتخرج مضر من خراسان ، فأبى عليهم ، فقال له بنو صهيب ، وهم موالي بني جحدم : لا نرضى أن نكون نحن ومضر في بلد واحد وقد قتلوا سليمان وعمرا ابني مرثد ، فإما أن تبايعنا على هذا وإلا بايعنا غيرك .

فأجابهم ، فبايعوه ، فسار إليهم ابن خازم فنزل على واد بينه وبين [ ص: 247 ] هراة ، فأشار البكريون بالخروج من هراة وعمل خندق ، فقال أوس : بل نلزم المدينة فإنها حصينة ونطاول ابن خازم ليضجر ويعطينا ما نريد .

فأبوا عليه ، فخرجوا وخندقوا خندقا ، وقاتلهم ابن خازم نحو سنة ، وقال له هلال الضبي : إنما تقاتل إخوتك وبني أبيك ، فإن نلت منهم الذي تريد فما في العيش خير ، فلو أعطيتهم شيئا يرضون به وأصلحت هذا الأمر .

قال : والله لو خرجنا لهم من خراسان ما رضوا .

قال هلال : والله لا أقاتل معك أنا ولا رجل أو تطيعني حتى تعتذر إليهم .

قال : فأنت رسولي إليهم فأرضهم .

فأتى هلال أوس بن ثعلبة فناشده الله والقرابة في نزار وأن يحفظ ولاءها .

فقال : هل لقيت بني صهيب ؟ قال : لا .

قال : فالقهم .

قال : فخرج فلقي جماعة من رؤساء أصحابه فأخبرهم ما أتى له .

فقالوا له : هل لقيت بني صهيب ؟ فقال : لقد عظم أمر بني صهيب عندكم ، فأتاهم ، فقالوا : لولا أنك رسول لقتلناك .

قال : فهل يرضيكم شيء ؟ قالوا : واحدة من اثنتين : إما أن تخرجوا من خراسان ، وإما أن تقيموا وتخرجوا لنا عن كل سلاح وكراع وذهب وفضة .

فرجع إلى ابن خازم ، فقال : ما عنك ؟ فأخبره .

فقال : إن ربيعة لم تزل غضابا على ربها منذ بعث نبيه من مضر .

وأقام ابن خازم يقاتلهم ، فقال يوما لأصحابه : قد طال مقامنا ، وناداهم : يا معشر ربيعة أرضيتم من خراسان بخندقكم ! فأحفظهم ذلك ، فتنادوا للقتال ، فنهاهم أوس بن ثعلبة عن الخروج بجماعتهم وأن يقاتلوا كما كانوا يقاتلون ، فعصوه .

فقال ابن خازم لأصحابه : اجعلوه يومكم فيكون الملك لمن غلب ، وإذا لقيتم الخيل فاطعنوها في مناخرها .

فاقتتلوا ساعة وانهزمت بكر بن وائل حتى انتهوا إلى خندقهم وتفرقوا يمينا وشمالا وسقط الناس في الخندق وقتلوا قتلا ذريعا وهرب أوس بن ثعلبة إلى سجستان فمات بها أو قريبا منها ، وقتل من بكر يومئذ ثمانية آلاف ، وغلب ابن خازم على هراة واستعمل عليها ابنه محمدا وضم إليه شماس بن دثار العطاردي ، وجعل بكير بن وساج الثقفي على شرطته ورجع ابن خازم إلى مرو .

وأغارت الترك على قصر اسغاد ، وابن خازم على هراة ، وكان فيه ناس من الأزد ، فحصروهم ، فأرسلوا إلى ابن خازم ، فوجه إليهم زهير بن حيان في بني تميم وقال له : إياك ومناوأة الترك ، إذا رأيتموهم فاحملوا عليهم .

فوافاهم في يوم بارد ، فلما التقوا حمل [ ص: 248 ] عليهم ، فانهزمت الترك واتبعوهم حتى مضى عامة الليل ، فرجع زهير وقد يبست يده على رمحه من البرد ، فجعلوا يسخنون الشحم فيضعه على يده ودهنوه وأوقدوا له نارا فانتفخت يده ، ثم رجع إلى هراة ، ( فقال في ذلك ثابت قطنة :


فدت نفسي فوارس من تميم     على ما كان من ضنك المقام
بقصر الباهلي وقد أراني     أحامي حين قل به المحامي
بسيفي بعد كسر الرمح فيهم     أذودهم بذي شطب حسام
أكر عليهم اليحموم كرا     ككر الشرب آنية المدام
فلولا الله ليس له شريك     وضربي قونس الملك الهمام
إذا فاظت نساء بني دثار     أمام الترك بادية الخدام

)

التالي السابق


الخدمات العلمية