الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الاختلاف على نجدة وقتله وولاية أبي فديك

ثم إن أصحاب نجدة اختلفوا عليه لأسباب نقموها منه ، فمنها : أن أبا سنان حي بن وائل أشار على نجدة بقتل من أجابه تقية ، فشتمه نجدة ، فهم بالفتك به فقال له نجدة : كلف الله أحدا علم الغيب ؟ قال : لا . قال : فإنما علينا أن نحكم بالظاهر . فرجع أبو سنان إلى نجدة .

ومنها : أن عطية بن الأسود خالف على نجدة ، وسببه أن نجدة سير سرية بحرا [ ص: 285 ] وسرية برا ، فأعطى سرية البحر أكثر من سرية البر ، فنازعه عطية حتى أغضبه ، فشتمه نجدة ، فغضب عليه وألب الناس عليه . وكلم نجدة في رجل شرب الخمر في عسكره فقال : هو رجل شديد النكاية على العدو وقد استنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بالمشركين . وكتب عبد الملك إلى نجدة يدعوه إلى طاعته ويوليه اليمامة ويهدر له ما أصاب من الأموال والدماء ، فطعن عليه عطية وقال : ما كاتبه عبد الملك حتى علم منه دهانا في الدين ، وفارقه إلى عمان .

ومنها أن قوما فارقوا نجدة واستنابوه فحلف أن لا يعود ، ثم ندموا على استنابته وتفرقوا ونقموا عليه أشياء أخر ، فخالف عليه عامة من معه فانحازوا عنه وولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور ، أحد بني قيس بن ثعلبة ، واستخفى نجدة ، فأرسل أبو فديك في طلبه جماعة من أصحابه وقال : إن ظفرتم به فجيئوني به . وقيل لأبي فديك : إن لم تقتل نجدة تفرق الناس عنك ، فألح في طلبه . وكان نجدة مستخفيا في قرية من قرى حجر ، وكان للقوم الذين اختفى عندهم جارية يخالف إليها راع لهم ، فأخذت الجارية من طيب كان مع نجدة ، فسألها الراعي عن أمر الطيب ، فأخبرته ، فأخبر الراعي أصحاب أبي فديك بنجدة ، فطلبوه ، فنذر بهم ، فأتى أخواله من بني تميم فاستخفى عندهم . ثم أراد المسير إلى عبد الملك فأتى بيته ليعهد إلى زوجته ، فعلم به الفديكية وقصدوه ، فسبق إليه رجل منهم فأعلمه ، فخرج وبيده السيف ، فنزل الفديكي عن فرسه وقال : إن فرسي هذا لا يدرك فاركبه فلعلك تنجو عليه . فقال : ما أحب البقاء ولقد تعرضت للشهادة في مواطن ما هذا بأحسنها ، وغشيه أصحاب أبي فديك فقتلوه ، وكان شجاعا كريما ( وهو يقول :


وإن جر مولانا علينا جريرة صبرنا لها ، إن الكرام الدعائم

)

ولما قتل نجدة سخط قتله قوما من أصحاب أبي فديك ففارقوه ، وثار به مسلم بن جبير فضربه اثنتي عشرة ضربة بسكين فقتل مسلم وحمل أبو فديك إلى منزله فبرأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية