الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر دخول شبيب الكوفة

وأقبل شبيب إلى قرية اسمها حربى ، فقال : حرب يصلى بها عدوكم . ثم سار فنزل عقرقوف ، فقال له سويد بن سليم : يا أمير المؤمنين ، لو تحولت من هذه القرية المشئومة الاسم . قال : وقد تطيرت أيضا ! والله لا أسير إلى عدوي إلا منها ، إنما شؤمها على عدونا ، والعقر لهم إن شاء الله .

ثم سار منها يبادر الحجاج إلى الكوفة ، وكانت كتب عروة ترد عليه ، أعني الحجاج ، يحثه على العجل إليهم ، فطوى الحجاج المنازل ، فنزلها الحجاج صلاة العصر ، ونزل شبيب بالسبخة صلاة المغرب ، فأكلوا شيئا ثم ركبوا خيولهم ، فدخلوا الكوفة وبلغوا السوق ، وضرب شبيب باب القصر بعموده ، فأثر فيه أثرا عظيما ، ثم وقف عند المصطبة وقال :

عبد دعي من ثمود أصله لا بل يقال أبو أبيهم يقدم



[ ص: 446 ] يعني الحجاج ، فإن بعض الناس يقول : إن ثقيفا بقايا ثمود ، وبعضهم يقول : هم من نسل يقدم الإيادي .

ثم اقتحموا المسجد الأعظم ، وكان لا يزال فيه قوم يصلون ، فقتلوا عقيل بن مصعب الوادعي ، وعدي بن عمرو الثقفي ، وأبا ليث بن أبي سليم ، ومروا بدار حوشب ، وهو على الشرط ، فقالوا : إن الأمير يطلبه ، فأراد الركوب ، ثم أنكرهم فلم يخرج إليهم ، فقتلوا غلامه ، ثم أتى الجحاف بن نبيط الشيباني فقال له : انزل لنقضيك ثمن البكرة التي اشتريت منك بالبادية . فقال الجحاف : أما ذكرت أمانتك إلا والليل أظلم وأنت على فرسك يا سويد ؟ قبح الله دينا لا يصلح إلا بإراقة الدماء وقتل القرابة .

ثم مروا بمسجد ذهل فرأوا ذهل بن الحارث ، وكان يطيل الصلاة فيه ، فقتلوه ، ثم خرجوا من الكوفة ، فاستقبلهم النضر بن قعقاع بن شور الذهلي ، فقال له : السلام عليك أيها الأمير . فقال له سويد : أمير المؤمنين ويلك ! فقال : أمير المؤمنين . فقال له شبيب : يا نضر ، لا حكم إلا لله ، وأراد يلعنه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . فشد أصحاب شبيب عليه فقتلوه ، وكان قد أقبل مع الحجاج من البصرة ، فتخلف عنه ، وكانت أم النضر ناجية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني ، فأحب شبيب نجاته .

ثم خرجوا نحو المردمة ، وأمر الحجاج مناديا فنادى : يا خيل الله اركبي ، وهو فوق باب القصر ، وعنده مصباح ، فكان أول من أتاه عثمان بن قطن بن عبد الله بن الحصين ذي الغصة ، فقال : أعلموا الأمير بمكاني . فقال له غلام للحجاج : قف بمكانك . وجاء الناس من كل جانب .

ثم إن الحجاج بعث بشر بن غالب الأسدي في ألفي رجل ، وزائدة بن قدامة الثقفي في ألفي رجل ، ( وأبا الضريس مولى بني تميم في ألفي رجل ) ، وعبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، وزياد بن عمرو العتكي .

وكان عبد الملك بن مروان قد استعمل محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله على سجستان ، وكتب إلى الحجاج ليجهزه ويسيره سريعا في ألف رجل إلى عمله ، فأقام يتجهز ، وحدث من أمر شبيب ما حدث ، فقال له الحجاج : تلقى شبيبا وهذه الخارجة [ ص: 447 ] فتجاهدهم ، ويكون الظفر لك ويطير اسمك ، ثم تمضي إلى عملك . فسيره معهم ، وقال لهؤلاء الأمراء : إن كان حرب فأميركم زائدة بن قدامة . فسار هؤلاء الأمراء فنزلوا أسفل الفرات ، فترك شبيب الوجه الذي هم فيه ، وأخذ نحو القادسية .

التالي السابق


الخدمات العلمية