الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلع أبي الخطار أمير الأندلس وإمارة ثوابة

وفي هذه السنة خلع أهل الأندلس أبا الخطار الحسام بن ضرار أميرهم .

وسبب ذلك أنه لما قدم الأندلس أميرا أظهر العصبية لليمانية على المضرية ، فاتفق في بعض الأيام أنه اختصم رجل من كنانة ورجل من غسان ، فاستعان الكناني بالصميل بن حاتم بن ذي الجوشن الضبابي ، فكلم فيه أبا الخطار ، فاستغلظ له أبو الخطار ، فأجابه الصميل ، فأمر به فأقيم وضرب قفاه ، فمالت عمامته ، فلما خرج قيل له : نرى عمامتك مالت ! فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها .

وكان الصميل من أشراف مضر ، فلما دخل الأندلس مع بلج شرف فيها بنفسه وأوليته . فلما جرى له ما ذكرناه جمع قومه وأعلمهم ، فقالوا له : نحن تبع لك . فقال : أريد أن أخرج أبا الخطار من الأندلس . فقال له بعض أصحابه : افعل واستعن بمن شئت ولا تستعن بأبي عطاء القيسي ، وكان من أشراف قيس ، وكان يناظر الصميل في [ ص: 344 ] الرياسة ويحسده . وقال له غيره : الرأي أنك تأتي أبا عطاء وتشد أمرك به فإنه تحركه الحمية ( وينصرك ، وإن تركته مال إلى أبي الخطار وأعانه عليك ) ليبلغ فيك ما يريد ، والرأي أيضا أن تستعين عليه بأهل اليمن فضلا عن معد .

ففعل ذلك وسار من ليلته إلى أبي عطاء ، وكان يسكن مدينة إستجة ، فعظمه أبو عطاء وسأله عن سبب قدومه ، فأعلمه ، فلم يكلمه حتى قام فركب فرسه ولبس سلاحه وقال له : انهض الآن حيث شئت فأنا معك ، وأمر أهله وأصحابه باتباعه ، ( فساروا إلى مرو ، وبها ثوابة بن سلامة الحداني ، وكان مطاعا في قومه ) ، وكان أبو الخطار قد استعمله على إشبيلية وغيرها ، ثم عزله ففسد عليه ، فدعاه الصميل إلى نصره ووعده أنه إذا أخرجوا أبا الخطار صار أميرا ، فأجاب إلى نصره ودعا قومه فأجابوه فساروا إلى شدونة .

وسار إليهم أبو الخطار من قرطبة واستخلف بها إنسانا ، فالتقوا واقتتلوا في رجب من هذه السنة ، وصبر الفريقان ، ثم وقعت الهزيمة على أبي الخطار ، وقتل أصحابه أشد قتل وأسر أبو الخطار . وكان بقرطبة أمية بن عبد الملك بن قطن ، فأخرج منها خليفة أبي الخطار ، وانتهب ما وجد لهما فيها .

ولما انهزم أبو الخطار سار ثوابة بن سلامة والصميل إلى قرطبة فملكاها ، واستقر ثوابة في الإمارة ، فثار به عبد الرحمن بن حسان الكلبي ، وأخرج أبا الخطار من السجن ، فاستجاش اليمانية ، فاجتمع له خلق كثير ، وأقبل بهم إلى قرطبة ، وخرج إليه ثوابة فيمن معه من اليمانية والمضرية مع الصميل . فلما تقاتل الطائفتان نادى رجل من مضر : يا معشر اليمانية ! ما بالكم تتعرضون للحرب على أبي الخطار وقد جعلنا الأمير منكم ؟ يعني ثوابة ، فإنه من اليمن ، ولو أن الأمير منا لقد كنتم تعتذرون في قتالكم لنا ، وما نقول هذا إلا تحرجا من الدماء ورغبة في العافية للعامة . فلما سمع الناس كلامه قالوا : صدق والله ، الأمير منا فما بالنا نقاتل قومنا ؟ فتركوا القتال وافترق الناس ، فهرب أبو الخطار فلحق بباجة ، ورجع ثوابة إلى قرطبة ، فسمي ذلك العسكر عسكر العافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية