الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل أبي سلمة الخلال وسليمان بن كثير

قد ذكرنا ما كان من أبي سلمة في أمر أبي العباس السفاح ومن كان معه من بني هاشم عند قدومهم الكوفة ، بحيث صار عندهم متهما ، وتغير السفاح عليه وهو بعسكره بحمام أعين ، ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية ، فنزل قصر الإمارة بها وهو متنكر لأبي سلمة ، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه فيه وما كان هم به من الغش ، وكتب إليه أبو مسلم : إن كان أمير المؤمنين اطلع على ذلك منه فليقتله .

فقال داود بن علي للسفاح : لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج بها أبو مسلم عليك ، وأهل خراسان الذين معك أصحابه ، وحاله فيهم حاله ، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله .

فكتب إليه ، فبعث أبو مسلم مرار بن أنس الضبي لقتله ، فقدم على السفاح فأعلمه بسبب قدومه ، فأمر السفاح مناديا فنادى : إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة ودعاه فكساه ، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل ، ثم انصرف إلى منزله وحده ، فعرض له مرار بن أنس ، ومن معه من أعوانه فقتلوه ، وقالوا : قتله الخوارج .

ثم أخرج من الغد ، فصلى عليه يحيى بن محمد بن علي ، ودفن بالمدينة الهاشمية عند الكوفة ، فقال سليمان بن المهاجر البجلي :


إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك صار وزيرا

وكان يقال لأبي سلمة : وزير آل محمد ، ولأبي مسلم : أمير آل محمد .

[ ص: 29 ] فلما قتل أبو سلمة وجه السفاح أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم ، فلما قدم على أبي مسلم سايره عبيد الله بن الحسن الأعرج ، وسليمان بن كثير ، فقال سليمان بن كثير لعبيد الله : يا هذا ، إنا كنا نرجو أن يتم أمركم ، فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون .

فظن عبيد الله أنه دسيس من أبي مسلم ، فأتى أبا مسلم فأخبره وخاف أن يعلمه أن يقتله ، فأحضر أبو مسلم سليمان بن كثير ، وقال له : أتحفظ قول الإمام لي من اتهمته فاقتله ؟ قال : نعم . قال : فإني قد اتهمتك . قال : أنشدك الله ! قال : لا تناشدني ، فأنت منطو على غش الإمام ، وأمر بضرب عنقه .

ورجع أبو جعفر إلى السفاح فقال : لست خليفة ، ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله . قال . وكيف ؟ قال : والله ما يصنع إلا ما أراد . قال أبو العباس : فاكتمها .

وقد قيل : إن أبا جعفر إنما سار إلى أبي مسلم قبل أن يقتل أبو سلمة .

وكان سبب ذلك أن السفاح لما ظهر تذاكروا ما صنع أبو سلمة ، فقال بعض من هناك : لعل ما صنع كان من رأي أبي مسلم . فقال السفاح : لئن كان هذا عن رأيه إنا لنعرفن بلاء إلا أن يدفعه الله عنا . وأرسل أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم ليعلم رأيه . فسار إليه وأعلمه ما كان من أبي سلمة ، فأرسل مرار بن أنس فقتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية