الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ، ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها ، أو بالولد وصف يقتضي تخييره ، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع ، وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر على عمر بن الخطاب ، ولم ينكر عليه منكر .

فلما ولي عمر قضى بمثله ، فروى مالك في " الموطأ " ، عن يحيى بن سعيد أنه قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : ( كانت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة من الأنصار ، فولدت له عاصم بن عمر ، ثم إن عمر فارقها ، فجاء عمر قباء ، فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد ، فأخذ بعضده ، فوضعه بين يديه على الدابة ، فأدركته جدة الغلام ، فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فقال عمر : ابني ، وقالت المرأة : ابني . فقال أبو بكر رضي الله عنه : خل بينها وبينه ، فما راجعه عمر الكلام ) .

[ ص: 391 ] قال ابن عبد البر : هذا خبر مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة ، تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل ، وزوجة عمر أم ابنه عاصم : هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري .

قال : وفيه دليل على أن عمر كان مذهبه في ذلك خلاف أبي بكر ، ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والإمضاء ، ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ، ولم يخالف أبا بكر في شيء منه ما دام الصبي صغيرا لا يميز ، ولا مخالف لهما من الصحابة .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، أنه أخبره عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قال : ( طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم ، فلقيها تحمله بمحسر ، وقد فطم ومشى ، فأخذ بيده لينتزعه منها ، ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى ، وقال : أنا أحق بابني منك ، فاختصما إلى أبي بكر ، فقضى لها به وقال : ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ) . ومحسر : سوق بين قباء والمدينة .

وذكر عن الثوري ، عن عاصم ، عن عكرمة قال : ( خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر رضي الله عنه ، وكان طلقها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : الأم أعطف ، وألطف ، وأرحم ، وأحنى ، وأرأف ، هي أحق بولدها ما لم تتزوج . )

وذكر عن معمر قال : سمعت الزهري يقول : إن أبا بكر قضى على عمر في ابنه مع أمه ، وقال : ( أمه أحق به ما لم تتزوج )

فإن قيل : فقد اختلفت الرواية : هل كانت المنازعة وقعت بينه وبين الأم [ ص: 392 ] أولا ثم بينه وبين الجدة ، أو وقعت مرة واحدة بينه وبين إحداهما ؟

قيل : الأمر في ذلك قريب ، لأنها إن كانت من الأم فواضح ، وإن كانت من الجدة فقضاء الصديق رضي الله عنه لها يدل على أن الأم أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية