الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حكمه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحرم بيعه

ثبت في ( الصحيحين ) : من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر ، والميتة ، والخنزير والأصنام . فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ، فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : ( لا هو حرام ) . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : ( قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها [ ص: 661 ] جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه ) .

وفيهما أيضا : عن ابن عباس ، قال بلغ عمر - رضي الله عنه - أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله سمرة ، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم ، فجملوها فباعوها ) .

فهذا من ( مسند عمر ) - رضي الله عنه - وقد رواه البيهقي ، والحاكم في ( مستدركه ) فجعلاه من ( مسند ابن عباس ) ، وفيه زيادة ، ولفظه : عن ابن عباس ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، يعني الحرام ، فرفع بصره إلى السماء فتبسم ، فقال : ( لعن الله اليهود ، لعن الله اليهود ، لعن الله اليهود ، إن الله - عز وجل - حرم عليهم الشحوم ، فباعوها ، وأكلوا أثمانها ، إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ) وإسناده صحيح ، فإن البيهقي رواه عن ابن عبدان ، عن الصفار ، عن إسماعيل القاضي ، حدثنا مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا خالد الحذاء ، عن بركة أبي الوليد ، عن ابن عباس .

وفي ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - نحوه ، دون قوله : ( إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ) .

فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس : مشارب تفسد العقول ، ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثا ؛ وأعيان تفسد الأديان ، وتدعو إلى الفتنة والشرك .

[ ص: 662 ] فصان بتحريم النوع الأول العقول عما يزيلها ويفسدها ، وبالثاني : القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها ، والغاذي شبيه بالمغتذي ، وبالثالث : الأديان عما وضع لإفسادها .

فتضمن هذا التحريم صيانة العقول والقلوب والأديان .

ولكن الشأن في معرفة حدود كلامه - صلوات الله عليه - وما يدخل فيه ، وما لا يدخل فيه ، لتستبين عموم كلماته وجمعها ، وتناولها لجميع الأنواع التي شملها عموم كلماته ، وتأويلها بجميع الأنواع التي شملها عموم لفظه ومعناه ، وهذه خاصية الفهم عن الله ورسوله التي تفاوت فيه العلماء ، ويؤتيه الله من يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية