الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة ، وهي مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة ( الأنعام ) ، ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الصحابة هدي ، ولا أضحية ، ولا عقيقة من غيرها ، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات .

إحداها : قوله تعالى : ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) [ المائدة : 1 ] .

والثانية : قوله تعالى : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) [ الحج : 28 ] .

والثالثة : قوله تعالى : [ ص: 286 ] ( ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج ) [ الأنعام 142 ، 143 ] ثم ذكرها .

الرابعة : قوله تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) [ المائدة 95 ] .

فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية ، وهذا استنباط علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة هي ثلاثة : الهدي ، والأضحية ، والعقيقة .

فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم ، وأهدى الإبل ، وأهدى عن نسائه البقر ، وأهدى في مقامه ، وفي عمرته ، وفي حجته ، وكانت سنته تقليد الغنم دون إشعارها .

وكان إذا بعث بهديه وهو مقيم لم يحرم عليه شيء كان منه حلالا .

وكان إذا أهدى الإبل قلدها وأشعرها ، فيشق صفحة سنامها الأيمن يسيرا حتى يسيل الدم . قال الشافعي : والإشعار في الصفحة اليمنى ، كذلك أشعر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان إذا بعث بهديه ( أمر رسوله إذا أشرف على عطب شيء منه أن ينحره ، ثم يصبغ نعله في دمه ، ثم يجعله على صفحته ، ولا يأكل منه هو ، ولا أحد من أهل رفقته ، ثم يقسم لحمه ) ، ومنعه من هذا الأكل سدا للذريعة ؛ فإنه لعله ربما [ ص: 287 ] قصر في حفظه ليشارف العطب ، فينحره ويأكل منه ، فإذا علم أنه لا يأكل منه شيئا ، اجتهد في حفظه .

وشرك بين أصحابه في الهدي كما تقدم : البدنة عن سبعة ، والبقرة كذلك .

( وأباح لسائق الهدي ركوبه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى يجد ظهرا غيره ) ، وقال علي رضي الله عنه : ( يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها ) .

وكان هديه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل قياما ، مقيدة معقولة اليسرى ، على ثلاث وكان يسمي الله عند نحره ، ويكبر ، وكان يذبح نسكه بيده ، وربما وكل في بعضه كما أمر عليا رضي الله عنه أن يذبح ما بقي من المائة .

( وكان إذا ذبح الغنم وضع قدمه على صفاحها ثم سمى ، وكبر وذبح ) ، وقد تقدم أنه نحر بمنى ، وقال : ( إن فجاج مكة كلها منحر ) ، وقال ابن عباس : مناحر البدن بمكة ، ولكنها نزهت عن الدماء ، ومنى من مكة ، وكان ابن عباس ينحر بمكة .

وأباح صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم ويتزودوا منها ونهاهم [ ص: 288 ] مرة أن يدخروا منها بعد ثلاث لدافة دفت عليهم ذلك العام من الناس ، فأحب أن يوسعوا عليهم ، وذكر أبو داود من حديث جبير بن نفير عن ثوبان قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ( يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة ) قال : فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة .

وروى مسلم هذه القصة ، ولفظه فيها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع : ( أصلح هذا اللحم ، قال : فأصلحته ، فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة ) .

وكان ربما قسم لحوم الهدي ، وربما قال : ( من شاء اقتطع ) فعل هذا ، [ ص: 289 ] وفعل هذا ، واستدل بهذا على جواز النهبة في النثار في العرس ونحوه ، وفرق بينهما بما لا يتبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية