الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 182 ] وقال ابن عباس : ( ما نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موطن نصره يوم أحد ، فأنكر ذلك عليه ، فقال بيني وبين من ينكر كتاب الله ، إن الله يقول : ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) [ آل عمران : 152 ] ، قال ابن عباس : والحس : القتل ، ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب المشركين سبعة أو تسعة ) . وذكر الحديث .

وأنزل الله عليهم النعاس أمنة منه في غزاة بدر وأحد ، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليل على الأمن ، وهو من الله ، وفي الصلاة ومجالس الذكر والعلم من الشيطان .

وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي " الصحيحين " : عن سعد بن أبي وقاص ، قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض كأشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد ) .

وفي " صحيح مسلم " : ( أنه صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش ، فلما رهقوه ، قال : " من يردهم عنا وله الجنة ، أو هو رفيقي في الجنة " فتقدم رجل من الأنصار ، فقاتل حتى قتل ، ثم رهقوه ، فقال : من يردهم عنا وله الجنة ، أو هو رفيقي في الجنة " فتقدم رجل من الأنصار ، فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنصفنا أصحابنا " ) وهذا يروى على وجهين : بسكون [ ص: 183 ] الفاء ونصب " أصحابنا " على المفعولية ، وفتح الفاء ورفع " أصحابنا " على الفاعلية .

ووجه النصب : أن الأنصار لما خرجوا للقتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا ، ولم يخرج القرشيان ، قال ذلك ، أي : ما أنصفت قريش الأنصار .

ووجه الرفع : أن يكون المراد بالأصحاب الذين فروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفرد في النفر القليل ، فقتلوا واحدا بعد واحد ، فلم ينصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثبت معه .

وفي " صحيح ابن حبان " عن عائشة ، قالت : قال أبو بكر الصديق : ( لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه ، قلت : كن طلحة فداك أبي وأمي ، كن طلحة فداك أبي وأمي . فلم أنشب ، أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح ، وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني ، فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا طلحة بين يديه صريعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دونكم أخاكم فقد أوجب " ، وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في جبينه ، وروي في وجنته ، حتى غابت حلقة من حلق المغفر في وجنته ، فذهبت لأنزعها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني ؟ قال : فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه ، فجعل ينضنضه كراهة أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استل السهم بفيه ، فندرت ثنية أبي عبيدة ، قال أبو بكر : ثم ذهبت لآخذ الآخر ، فقال أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني ؟ قال فأخذه ، فجعل ينضنضه حتى استله ، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دونكم أخاكم فقد أوجب " ، قال : فأقبلنا على طلحة نعالجه ، وقد أصابته بضعة عشر ضربة ) .

[ ص: 184 ] وفي " مغازي الأموي " : أن المشركين صعدوا على الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد " اجنبهم " يقول : ارددهم . فقال : كيف أجنبهم وحدي ؟ فقال : ذلك ثلاثا ، فأخذ سعد سهما من كنانته ، فرمى به رجلا فقتله ، قال : ثم أخذت سهمي أعرفه ، فرميت به آخر فقتلته ، ثم أخذته أعرفه ، فرميت به آخر فقتلته ، فهبطوا من مكانهم ، فقلت : هذا سهم مبارك ، فجعلته في كنانتي ، فكان عند سعد حتى مات ، ثم كان عند بنيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية