الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في سرية الخبط

وكان أميرها أبا عبيدة بن الجراح ، وكانت في رجب سنة ثمان فيما أنبأنا به الحافظ أبو الفتح محمد بن سيد الناس في كتاب " عيون الأثر " له ، وهو عندي وهم كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

قالوا : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار ، وفيهم عمر بن الخطاب إلى حي من جهينة بالقبلية ، مما يلي ساحل البحر ، وبينها وبين المدينة خمس ليال ، فأصابهم في الطريق جوع شديد ، فأكلوا الخبط وألقى إليهم البحر حوتا عظيما ، فأكلوا منه ثم انصرفوا ولم يلقوا كيدا ، وفي هذا نظر فإن في " الصحيحين " من حديث جابر قال : " بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثمائة راكب ، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش ، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط ، فسمي جيش الخبط ، فنحر رجل ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم إن أبا عبيدة نهاه ، فألقى إلينا البحر دابة يقال لها : العنبر ، فأكلنا منها نصف شهر ، وادهنا من ودكها حتى [ ص: 344 ] ثابت إلينا أجسامنا ، وصلحت ، وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ، فنظر إلى أطول رجل في الجيش ، وأطول جمل فحمل عليه ، ومر تحته وتزودنا من لحمه وشائق ، فلما قدمنا المدينة ، أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا له ذلك فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمه شيء تطعمونا ؟ فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكل " .

قلت : وهذا السياق يدل على أن هذه الغزوة كانت قبل الهدنة ، وقبل عمرة الحديبية ، فإنه من حين صالح أهل مكة بالحديبية لم يكن يرصد لهم عيرا ، بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح ، ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه مرتين مرة قبل الصلح ومرة بعده ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية