الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أول الناس منهم أبو سفيان وحكيم بن حزام ]

ثم بدأ بالأموال فقسمها ، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس ، فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ، ومائة من الإبل ، فقال : ابني يزيد ؟ فقال : " أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل " ، فقال : ابني معاوية ؟ قال " أعطوه أربعين أوقية ، ومائة من الإبل " ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه ، وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل ، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي خمسين ، وذكر أصحاب المائة - وأصحاب الخمسين - وأعطى العباس بن مرداس أربعين ، فقال في ذلك شعرا ، فكمل له المائة . ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الغنائم والناس ، ثم فضها على الناس ، فكانت سهامهم لكل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة . فإن كان فارسا أخذ اثني عشر بعيرا ، وعشرين ومائة شاة .

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من تلك العطايا في قريش ، وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي [ ص: 416 ] أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال : ( فأين أنت من ذلك يا سعد " قال : يا رسول الله ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ؟ قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتى سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " يا معشر الأنصار ، ما قالة بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها في أنفسكم ، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل . ثم قال : " ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ، لله ولرسوله المن والفضل . قال : " أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، أوجدتم علي يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا ، تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير ، وترجعون برسول الله إلى رحالكم ، فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وواديا ، وسلكت الأنصار شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها ، الأنصار شعار والناس دثار ، اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما وحظا ، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرقوا ) .

وقدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من [ ص: 417 ] الرضاعة ، فقالت : يا رسول الله ! إني أختك من الرضاعة ، قال : وما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري ، وأنا متوركتك . قال : فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة فبسط لها رداءه ، وأجلسها عليه ، وخيرها ، فقال : ( إن أحببت الإقامة فعندي محببة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك فترجعي إلى قومك " ؟ قالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي ، ففعل ) ، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية ، فزوجت إحداهما من الآخر ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية . وقال أبو عمر : فأسلمت فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعبد ، وجارية ، ونعما ، وشاء ، وسماها حذافة . وقال : والشيماء لقب .

التالي السابق


الخدمات العلمية