الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل ويجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم ، فيكون الحديث من العام المخصوص ، ويجوز نفعه لخاصية تلك البلد ، وتلك التربة الخاصة من كل سم ، ولكن هاهنا أمر لا بد من بيانه ، وهو أن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاد النفع به ، فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع العلة ، حتى إن كثيرا من المعالجات ينفع بالاعتقاد ، وحسن القبول وكمال التلقي ، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب ، وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولها له ، وتفرح النفس به ، فتنتعش القوة ويقوى سلطان الطبيعة ، وينبعث الحار الغريزي ، فيساعد على دفع المؤذي ، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعا لتلك العلة ، فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه ، وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول ، فلا يجدي عليها شيئا .

واعتبر هذا بأعظم [ ص: 93 ] الأدوية والأشفية ، وأنفعها للقلوب والأبدان ، والمعاش والمعاد والدنيا والآخرة ، وهو القرآن الذي هو شفاء من كل داء ، كيف لا ينفع القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع ، بل لا يزيدها إلا مرضا إلى مرضها ، وليس لشفاء القلوب دواء قط أنفع من القرآن ، فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقما إلا أبرأه ، ويحفظ عليها صحتها المطلقة ، ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر ، ومع هذا فإعراض أكثر القلوب عنه ، وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنه كذلك ، وعدم استعماله والعدول عنه إلى الأدوية التي ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به ، وغلبت العوائد واشتد الإعراض وتمكنت العلل والأدواء المزمنة من القلوب ، وتربى المرضى والأطباء على علاج بني جنسهم وما وضعه لهم شيوخهم ، ومن يعظمونه ويحسنون به ظنونهم ، فعظم المصاب ، واستحكم الداء ، وتركبت أمراض وعلل أعيا عليهم علاجها ، وكلما عالجوها بتلك العلاجات الحادثة تفاقم أمرها ، وقويت ، ولسان الحال ينادي عليهم :


ومن العجائب والعجائب جمة قرب الشفاء وما إليه وصول     كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول



التالي السابق


الخدمات العلمية