الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لحم الجمل : فرق ما بين الرافضة وأهل السنة ، كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الإسلام ، فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله ، وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام حله ، وطالما أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضرا وسفرا .

ولحم الفصيل منه من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاء ، وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن لا يضرهم البتة ، ولا يولد لهم داء ، وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية من أهل الحضر الذين لم يعتادوه ، فإن فيه حرارة ويبسا ، وتوليدا للسوداء ، وهو عسر الانهضام ، وفيه قوة غير محمودة ، لأجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما ، ولا يصح تأويلهما بغسل اليد ، لأنه خلاف المعهود من الوضوء في [ ص: 345 ] كلامه ، صلى الله عليه وسلم لتفريقه بينه وبين لحم الغنم ، فخير بين الوضوء وتركه منها ، وحتم الوضوء من لحوم الإبل . ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط لحمل على ذلك في قوله : ( من مس فرجه فليتوضأ ) .

وأيضا : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه ، فإن كان وضوءه غسل يده ، فهو عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه ، ولا يصح معارضته بحديث : ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ) لعدة أوجه :

أحدها : أن هذا عام ، والأمر بالوضوء منها خاص .

الثاني : أن الجهة مختلفة ، فالأمر بالوضوء منها بجهة كونها لحم إبل سواء كان نيئا أو مطبوخا أو قديدا ، ولا تأثير للنار في الوضوء ، وأما ترك الوضوء مما مست النار ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء ، فأين أحدهما من الآخر ؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو كونه لحم إبل وهذا فيه نفي لسبب الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار ، فلا تعارض بينهما بوجه .

الثالث : أن هذا ليس فيه حكاية لفظ عام عن صاحب الشرع ، وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين ، أحدهما متقدم على الآخر ، كما جاء ذلك مبينا في نفس الحديث ، أنهم قربوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحما ، فأكل ، ثم حضرت [ ص: 346 ] الصلاة ، فتوضأ فصلى ، ثم قربوا إليه فأكل ثم صلى ، ولم يتوضأ ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار ، هكذا جاء الحديث ، فاختصره الراوي لمكان الاستدلال ، فأين في هذا ما يصلح لنسخ الأمر بالوضوء منه ، حتى لو كان لفظا عاما متأخرا مقاوما ، لم يصلح للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه ، وهذا في غاية الظهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية