الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ويشبه هذا مفارقة المأموم إمامه قبل السلام ، فعنه ثلاث روايات : أوسطها جواز ذلك للحاجة ، كما تفعل الطائفة الأولى في صلاة الخوف ، وكما فعل الذي طول عليه معاذ صلاة العشاء الآخرة لما شق عليه طول الصلاة ، والرواية الثانية : المنع مطلقا ، كقول أبي حنيفة ، والرواية الثالثة : الجواز مطلقا كقول الشافعي ؛ ولهذا جوز أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين ، فتصلي بهم التراويح ، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 120 ] لأم ورقة أن تؤم أهل دارها ، وجعل لها مؤذنا ، وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها ، للحاجة ، وهو حجة لمن يجوز تقدم المأموم لحاجة ، هذا مع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " لا تؤمن امرأة رجلا " ، وأن المنع من إمامة المرأة بالرجال قول عامة العلماء .

              ولهذا الأصل استعمل أحمد ما استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في الإمام : " إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " وأنه علل ذلك بأنه يشبه قيام الأعاجم بعضهم لبعض ، فسقط عن المأمومين القيام لما في القيام من المفسدة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفة الإمام والتشبه بالأعاجم في القيام له ، وكذلك عمل أئمة الصحابة بعده لما اعتلوا فصلوا قعودا والناس خلفهم قعود كأسيد بن الحضير .

              ولكن كره هذا لغير الإمام الراتب ؛ إذ لا حاجة إلى نقص الصلاة في الائتمام به ؛ ولهذا كرهه أيضا إذا مرض الإمام الراتب مرضا مزمنا ؛ لأنه يتعين حينئذ انصرافه عن الإمامة ، ولم ير هذا منسوخا بكونه صلى الله عليه وسلم في مرضه صلى في أثناء الصلاة قاعدا وهم قيام ؛ لعدم المنافاة بين ما أمر به وبين ما فعله ؛ ولأن الصحابة فعلوا ما أمر به بعد موته مع شهودهم لفعله ، فيفرق بين القعود من أول الصلاة والقعود في أثنائها ، إذ يجوز الأمران جميعا ؛ إذ ليس في الفعل تحريم للمأمور به بحال ، مع ما في هذه المسائل من الكلام الدقيق الذي [ ص: 121 ] ليس هذا موضعه ، وإنما الغرض التنبيه على قواعد الشريعة التي تعرفها القلوب الصحيحة التي دل عليها قوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " وأنه إذا تعذر جمع الواجبين قدم أرجحهما ، وسقط الآخر [ بالعجز ] الشرعي ، والتنبيه على ضوابط من مآخذ العلماء [ رضي الله عنهم ] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية