الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحرم به ) أي بالحرم ( قطع ما ينبت بنفسه ) من غير علاج كالبقل البري وشجر الطرفاء ولو استنبت نظرا لجنسه وكما يأتي في عكسه ( إلا الإذخر والسنا ) بالقصر نبت معروف يتداوى به ومثلهما العصا والسواك وقطع الشجر للبناء والسكنى بموضعه أو قطعه لإصلاح الحوائط ( كما يستنبت ) من خس وسلق وكراث وبطيخ وخوخ ونحوها فيجوز قطعه ( وإن لم يعالج ) نظرا لأصله ( ولا جزاء ) على قاطع ما حرم قطعه لأنه قدر زائد على التحريم يحتاج لدليل ( كصيد ) حرم ( المدينة ) المنورة فيحرم ويحرم أكله ولا جزاء [ ص: 80 ] وبين حرمها بقوله ( بين الحرار ) الأربع المحيطة بها بكسر الحاء جمع حرة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار والمدينة بالنسبة للصيد داخلة ، وفي قوله " الحرار " تجوز إذ ليس لها إلا حرتان لكن لما اشتملت كل حرة على طرفين ساغ له الجمع ( و ) كحرمة قطع ( شجرها ) ويعتبر الحرم بالنسبة إليه ( بريدا ) من طرف البيوت التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وسورها الآن هو طرفها في زمنه صلى الله عليه وسلم فما كان خارجا عنه من البيوت يحرم قطع شجره أي الذي شأنه أن ينبت بنفسه ، والمدينة خارجة عنه فيجوز قطع الشجر الذي بها ويعتبر البريد من جميع جهاتها وهو معنى قوله ( في بريد ) أي بريدا مع بريد من كل جهة فلو قال بريدا من كل جهة وحذف قوله " في بريد " لكان أحسن .

التالي السابق


( قوله : حرم به قطع إلخ ) الجار والمجرور متعلق بينبت أي حرم على كل أحد محرما ، أو غير محرم أفاقيا ، أو من أهل مكة قطع ما ينبت في الحرم بنفسه أي ولو كان قطعه لإطعام الدواب على المعتمد ولا فرق بين الأخضر واليابس . ( قوله : وشجر الطرفاء ) أي وكذا شجر أم غيلان . ( قوله : إلا الإذخر ) نبت معروف كالحلفاء طيب الرائحة واحده إذخرة وجمع إذخر أذاخر كأفاعل وقوله : إلا الإذخر والسنا أي فيجوز قطعهما وقوله : ومثلهما أي في جواز القطع . ( قوله : كما يستنبت ) أي كما يجوز قطع ما يستنبت . ( قوله : ونحوها ) أي كالحنطة والقثاء والعناب والعنب والنخل . ( قوله : وإن لم يعالج ) أي هذا إذا استنبت بمعالجة بل ، وإن لم يعالج إن نبت بنفسه . ( قوله : كصيد المدينة ) أي كما يحرم صيد حرم المدينة ولا جزاء فيه فهو تشبيه في الحرمة وعدم الجزاء . ( قوله : ولا جزاء إلخ ) قال ابن رشد في رسم الحج من سماع القرينين ما نصه : اعلم أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا صاد صيدا في حرم المدينة فمنهم من أوجب فيه الجزاء كحرم مكة سواء وبذلك قال ابن نافع ، وإليه ذهب عبد الوهاب ، وذهب مالك إلى أن الصيد فيها أخف من الصيد في حرم مكة فلم ير على من صاد في حرمها إلا الاستغفار والزجر من الإمام فقيل له هل يؤكل الصيد الذي يصاد في حرم المدينة فقال ما هو مثل ما يصاد في حرم مكة ، وإني لأكرهه فروجع في ذلك فقال لا أدري ا هـ . بلفظه فعلم منه أن عدم الجزاء في صيد حرم المدينة قول مالك وأنه لخفة أمر المدينة عن مكة وأن الإمام توقف في أكل ما صيد بحرمها وبه تعلم ما في قول شارحنا تبعا لغيره وهو خش ويحرم أكله وفي التوضيح وهل عدم جزاء الصيد بالمدينة لأن الكفارة لا يقاس عليها أي والجزاء كفارة فلا يقاس الجزاء في صيد المدينة على الجزاء في صيد مكة ; أو لأن حرمة المدينة عندنا أشد كاليمين الغموس . ، قولان ا هـ وكلام ابن رشد المذكور يخالفه ; لأنه يقتضي أن عدم الجزاء لخفة أمر المدينة فتأمل [ ص: 80 ] انظر بن . ( قوله : وبين حرمها ) أي بالنسبة للصيد . ( قوله : وكحرمة قطع شجرها ) المراد به كل ما شأنه أنه ينبت بنفسه وما استثني فيما مر في النابت في حرم مكة يستثنى هنا . ( قوله : أي بريدا مع بريد ) هذا جواب عما يقال : إن في كلام المصنف قلقا وذلك ; لأن البريد بريد فيكون الحرم ربع بريد من كل جهة لأن البريد إذا فرق على الجهات الأربع ناب كل جهة ربع بريد مع أن الحرم بريد من كل جهة .

وحاصل الجواب أن " في " بمعنى " مع " على حد قوله تعالى { ادخلوا في أمم } والمعنى بريدا مصاحبا لبريد حتى تستوفي جميع جهاتها .




الخدمات العلمية