الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 255 ] ( وحلت ) ( الأخت ) الثانية ونحوها من كل محرمتي الجمع فلو قال كالأخت لكان أشمل أي إذا أراد وطء الثانية بملك أو نكاح حلت له ( ببينونة السابقة ) بخلع أو بتات أو انقضاء عدة الرجعي أو بطلاقها قبل الدخول ( أو زوال ملك ) عن السابقة ( بعتق ، وإن لأجل ) يؤخذ منه منع وطء المعتقة لأجل وهو كذلك ; لأنه يشبه نكاح المتعة ( أو كتابة ) عطف على زوال ملك لا على عتق ; لأن الكتابة لا يزول بها الملك فإن عجزت لم تحرم الأخرى ( أو إنكاح ) أي عقد ( يحل ) وطؤه ( المبتوتة ) أي بحيث لو حصل فيه وطء حلت به المبتوتة بأن يكون صحيحا لازما أو فاسدا يمضي بالدخول وليس مراده بحل المبتوتة الدخول بها ( أو أسر ) لها ; لأنها مظنة اليأس ( أو إباق إياس ) لا يرجى معه عودها وإلا فلا وهذا في موطوءة بملك فيحل له أن يطأ بملك أو نكاح من يحرم جمعه معها ( أو بيع دلس فيه ) وأولى إن لم يدلس فيحل بمجرد وطء كأختها [ ص: 256 ] ( لا ) بيع أو نكاح ( فاسد لم يفت ) بحوالة سوق فأعلى في البيع وبدخول في النكاح فلا تحل الثانية فإن فات حلت ( و ) لا ( حيض و ) لا ( عدة شبهة ) أي استبراء من وطء الشبهة ( و ) لا ( ردة ) من أمة ، وأما من زوجة ، ولو أمة فتحل به الأخت لفسخ النكاح ويدخل في قوله سابقا ببينونة السابقة وإنما لم تحل في الحيض وما بعده لقصر زمانه والغالب في الردة الرجوع للإسلام ( و ) لا ( إحرام ) بأحد النسكين لقصر زمانه أيضا ( وظهار ) لقدرته على رفع حرمته بالكفارة ( واستبراء ) من زنا وقيل مراده به المواضعة ، ولو عبر به كان أولى ( و ) لا بيع ( خيار ) له أو لغيره ; لأنه منحل ( و ) بيع ( عهدة ثلاث ) ; لأنه يرد فيها بكل حادث والحوادث كثيرة وزمنها قصير بخلاف عهدة السنة فتحل كالأخت لطول زمنها وندور أدوائها ( و ) لا ( إخدام سنة ) أو سنتين أو ثلاث بخلاف السنين الكثيرة ( و ) لا ( هبة لمن يعتصرها منه ) بلا عوض كولده قبل حصول مفوت وعبده بل ( وإن ) كان الاعتصار ( ببيع ) كيتيمة الذي في حجره والمراد به الشراء أي ، وإن بشراء منه .

( بخلاف صدقة ) عليه أي على من يعتصرها منه ( إن حيزت ) بأن حازها له غير المتصدق بالكسر ، إذ لا يكفي في حلها حوزه هو للمتصدق عليه ويكفي الحوز الحكمي كأن أعتقها أو وهبها المتصدق عليه قبل الحوز لمضي فعله والمعتمد أن الصدقة عليه كالهبة ; لأن له أخذها منه بالشراء جبرا ( و ) بخلاف ( إخدام ) الموطوءة ( سنين ) كثيرة كأربعة فأعلى ومثل الكثيرة حياة المخدم ( ووقف ) عنهما ( إن وطئهما ) الأولى إن تلذذ بهما ( ليحرم ) واحدة منهما بوجه من الوجوه السابقة ( فإن أبقى الثانية ) [ ص: 257 ] وطئ أي التي وطئها بعد الأخرى ( استبرأها ) لفاسد مائه الحاصل قبل التحريم ، وإن لحق به الولد ، وإن أبقى الأولى فلا استبراء إن لم يعد لوطئها بعد وطء الأخرى أو زمن الإيقاف .

التالي السابق


( قوله : وحلت الأخت إلخ ) يعني أنه إذا عقد على امرأة أو تلذذ بأمته فلا يحل له التلذذ بأختها أو عمتها مثلا بنكاح أو ملك إلا إذا أبان الأولى إن كانت منكوحة أو زال ملكها إن كانت أمة .

( قوله : أو بانقضاء عدة الرجعي ) والقول قولها في عدم انقضاء عدتها ; لأنها مؤتمنة على فرجها فإن ادعت احتباس الدم صدقت بيمينها لأجل النفقة لانقضاء سنة فإن ادعت بعدها تحريكا نظرها النساء فإن صدقنها تربص لأقصى أمد الحمل وإلا لم يلزمه تربص لأقصى أمد الحمل وهل منع الرجل من نكاح كالأخت في مدة عدة تلك المطلقة يسمى عدة أو لا قولان وعلى الأول فهي إحدى المسائل التي يعتد فيها الرجل ثانيها من تحته أربع زوجات فطلق واحدة وأراد أن يتزوج واحدة فلا بد من تربصه حتى تخرج الأولى من العدة إن كان طلاقها رجعيا كما يأتي ، والثالثة إذا مات ربيبه وادعى أن زوجته حامل فيجب أن يتجنب زوجته حتى تستبرأ بحيضة لينظر هل زوجته حامل فيرث حمله أو غير حامل ، ولا يقال : إنه قد يتجنبها في غير هذا كاستبرائه من فاسد ; لأن المراد التجنب لغير معنى طرأ على البضع .

( قوله : يؤخذ منه ) أي لأنه إن لم يمتنع الوطء بالتأجيل لما أبيح له وطء الأخت .

( قوله : أو كتابة ) أي للأمة السابقة فيحل بها من يحرم جمعها معها ; لأن المكاتبة أحرزت نفسها ومالها وليس للسيد وطؤها والأصل عدم عجزها خلافا للخمي حيث قال : لا تحل محرمة الجمع بكتابة الأولى .

( قوله : لم تحرم الأخرى ) أي بل له الاسترسال عليها وترك الأولى التي عجزت وله ترك الأخرى والاسترسال على التي عجزت واقتصاره على العتق والكتابة يقتضي عدم حلية الأخت بتدبير السابقة وهو كذلك نعم مثل العتق لأجل عتق البعض ، وإن لم يكمل عليه عتقها لدين .

( قوله : أو إنكاح إلخ ) أي أنه إذا وطئ أمة وأراد أن يتزوج أختها أو يطأها بالملك فلا تحل له إلا إذا حرم فرج الأولى بإنكاح يحل وطأه المبتوتة بأن يكون صحيحا لازما أو فاسدا يمضي بالدخول فتحل الأخت بمجرد العقد الفاسد المذكور لأنه يصدق عليه أنه عقد يحل وطأه المبتوتة .

( قوله : وليس مراده بحل المبتوتة إلخ ) الأولى وليس مراده بالنكاح الذي يحل المبتوتة الدخول بها ; لأنه يقتضي أنه لا يحللها إلا الدخول لا العقد وليس كذلك .

( قوله : لأنها مظنة اليأس ) أي ولذا لم يقيد المصنف الأسر باليأس بخلاف الإباق فإنه لما كان غير مظنة للإياس قيده به .

( قوله : وهذا في موطوءة بملك ) أي وأما من توطأ بالنكاح فلا يحل من يحرم الجمع معها بأسرها أو إباقها فإن طلقها في حال أسرها طلاقا بائنا حل من يحرم جمعه معها ، وأما إن طلقها طلاقا رجعيا لم تحل كأختها إلا بمضي خمس سنين من أسرها لاحتمال حملها وتأخره لأقصى أمد الحمل وثلاث سنين من يوم طلاقها لاحتمال ريبتها وحيضها في كل سنة مرة هذا إذا كان الإباق أو الأسر ليس بفور ولادتها وإلا حلت بمضي ثلاث سنين من طلاقها .

( قوله : أو بيع دلس فيه ) يعني أن بيع السيد لأمته المبيعة بيعا صحيحا كاف في حلية من يحرم اجتماعها معها ما لم يكن اشترط في ذلك البيع مواضعة أو خيارا وعهدة وإلا فلا تحل الأخت إلا إذا خرجت من المواضعة ، وكذا من أمد الخيار والعهدة ; لأن الضمان في مدة المواضعة والعهدة والخيار من البائع ، ولو كان السيد عالما بالعيب وكتمه عن المشتري ; لأن للمشتري التمسك بها وأحرى إن لم يعلم البائع به .

( قوله : وأولى إن لم يدلس ) وإنما نص على المدلس ; لأن فيه خلافا هل يكون بمجرده كافيا في حل الأخت أم لا ا هـ بن [ ص: 256 ]

( قوله : لا بيع أو نكاح فاسد لم يفت ) مقتضى كلام بن عند قول المصنف أو إنكاح يحل المبتوتة أن يقصر قول المصنف لا فاسد لم يفت على خصوص البيع لأن النكاح الفاسد إذا كان يمضي بالدخول تحل به الأخت ، ولو لم يحصل دخول بالفعل .

( قوله : ولا حيض ) أي لا يحل كالأخت حرمة الأولى عليه لحيض أو نفاس أو استبراء من وطء شبهة .

( قوله : وعدة شبهة ) تقييده العدة بالشبهة حسن لا بد منه ; لأنها لو كانت من نكاح صحيح لكان النكاح وحده محرما والعدة من توابعه .

( قوله : أي استبراء من وطء شبهة ) أشار بهذا إلى أن مراده بالعدة الاستبراء ; لأن ما يوجبه وطء الشبهة من التربص يسمى استبراء لا عدة وإطلاق العدة عليه مجاز .

( قوله : وإنما لم تحل ) أي الأخت وقوله : في الحيض أي حيض الأولى .

( قوله : الرجوع للإسلام ) أي لخوف القتل .

( قوله : وظهار ) مثله الحلف على ترك وطء السابقة ، ولو بحريتها فلا تحل به الأخرى كما قاله ح .

( قوله : وقيل : مراده به المواضعة ) حاصله أن بعض الشراح جعل قوله واستبراء وخيار وعهدة ثلاث مرتبطة بقوله وبيع دلس فيه على أنها قيد فيه ، وحينئذ فيكون المراد بالاستبراء المواضعة وكأنه قال محل كون البيع الصحيح ، ولو دلس فيه كافيا بمجرده في حلية الأخت ما لم يكن فيه مواضعة أو خيار أو عهدة ثلاث وإلا فلا يكون بمجرده كافيا بل لا بد من الخروج منها .

( قوله : أو سنتين ) أخذ ذلك من قول المصنف الآتي بخلاف إخدام سنين فإن مقابلته للسنة يقتضي أن المراد بها ما قابل السنين الكثيرة .

( قوله : وهبة لمن يعتصرها منه ) المراد بالهبة هنا هبة غير الثواب بدليل الاعتصار ; لأن هبة الثواب بيع ولا اعتصار في البيع فجعل بعضهم هبة الثواب داخلة في كلام المصنف غير ظاهر .

( قوله : كولده ) أي سواء كان صغيرا أو كبيرا ومفهوم لمن يعتصرها منه أن الهبة لغيره تحل به كالأخت .

( قوله : بخلاف صدقة عليه إن حيزت ) أي لأنه لا اعتصار في الصدقة قاله ابن عبد السلام .

( قوله : أي على من يعتصرها منه ) أي وهو عبده وابنه الكبير والصغير واليتيم الذي في حجره وقوله : بأن حازها له إلخ ناظر لما إذا كان المتصدق عليه صغيرا في حجره وقوله : ويكفي إلخ ناظر لما إذا كان المتصدق عليه كبيرا .

( قوله : إن حيزت ) هذا شرط بالنسبة لحلية الأخت ، وأما بالنسبة لصحة الصدقة فيكفي حوزه لمحجوره .

( قوله : والمعتمد ) أي كما في ح نقلا عن ابن فرحون .

( قوله : كالهبة ) أي في كونها لا تحل بها الأخت وقوله : لأن له إلخ أي وحينئذ فلا يتم ما قاله المصنف .

( قوله : لأن له أخذها منه ) أي سواء كان صغيرا أو كبيرا لا يقال إن شراء الولي مال محجوره لا يجوز فكيف يكون له نزعها بالبيع من محجوره اليتيم قلت إن الممتنع شراء مال محجوره الذي لم يهبه له ، وأما ما وهبه له فيكره له شراؤه ولا يكون ممنوعا منع تحريم ا هـ عدوي .

( قوله : وبخلاف إخدام سنين ) في كلام المصنف إشعار بمنع وطء المخدمة ، ولو قل زمن الخدمة لأنه لو لم يمتنع وطؤها ما حلت الأخت وبهذا صرح أبو الحسن وحاصل المعتمد أن الأمة المخدمة لا يحل وطؤها قل زمن الخدمة أو كثر إلا أنه لم تحل الأخت إذا قل زمن الخدمة لقصر الزمان [ ص: 257 ] كالإحرام والحيض بخلاف ما إذا كثر زمن الخدمة فإن حلها ظاهر .

( قوله : وطئ ) أي الثانية من حيث الوطء




الخدمات العلمية