الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم ) عند العجز عن الصوم ( تمليك ) أي إعطاء ( ستين مسكينا أحرارا مسلمين ) بالجر صفة لستين ، وبالنصب صفة لمسكين ; لأنه بمعنى مساكين ( لكل ) منهم ( مد وثلثان ) بمده عليه الصلاة والسلام ( برا ) تمييز لبيان جنس المخرج إن اقتاتوه ( وإن اقتاتوا ) أي أهل بلد المكفر ( تمرا أو ) اقتاتوا ( مخرجا في الفطر ) من شعير أو سلت أو أرز أو دخن أو ذرة ( فعدله ) شبعا لا كيلا خلافا للباجي قال عياض : معنى عدله شبعا أن يقال : إذا شبع الرجل من مد حنطة كم يشبعه من غيرها فيقال : كذا فيخرج ذلك أي سواء زاد عن مد هشام أو نقص ، وكلام الباجي أوجه وإن كان ضعيفا قال الإمام : ( ولا أحب ) في كفارة الظهار ( الغداء والعشاء ) لأني لا أظنه يبلغ مدا بالهشامي ( كفدية الأذى ) فإنه لا يجزئ فيها الغداء والعشاء قال المصنف في الحج في الفدية : ولا يجزئ غداء وعشاء إن لم يبلغ مدين فمعنى لا أحب لا يجزئ ، ويدل عليه قول الإمام : لأني لا أظنه يبلغ مدا بالهشامي ، فأخذ منه أنه لو تحقق بلوغه أجزأ ( وهل ) المظاهر ( لا ينتقل ) عن الصوم للإطعام بوجه من الوجوه ( إلا إن أيس ) حين العود الذي يوجب الكفارة ( من قدرته على الصوم ) في المستقبل بأن كان المظاهر حينئذ مريضا فغلب على ظنه عدم قدرته عليه ولا يكفي شكه ( أو ) يكفي في الانتقال إلى الطعام ( إن شك ) في قدرته عليه في المستقبل فأولى إن ظن عدم القدرة لا إن ظنها ، ويحتمل أن التقدير : أو ينتقل إن شك فهو عطف على لا ينتقل من عطف الجمل ( قولان فيها ) أي في المدونة وهما في الحقيقة في الشك فقط هل يكفي في الانتقال أو لا ثم اختلف هل بينهما خلاف أو وفاق أشار له المصنف بقوله [ ص: 455 ] ( وتؤولت ) بالوفاق ( أيضا ) أي كما تؤولت بالخلاف المأخوذ مما تقدم ( على أن الأول قد دخل في الكفارة ) بالصوم ثم طرأ له مرض يمنعه إكماله ; فلذا لا ينتقل عنه إلا مع اليأس عنه ; لأن للدخول تأثيرا في العمل بالتمادي والثاني لم يدخل فيه فكفى الشك في الانتقال والمعتمد أن بينهما خلافا والمعول عليه القول الأول

التالي السابق


( قوله : صفة لمسكين ) هذا وإن كان صحيحا بالتأويل المذكور لكن جعله حالا من ستين لتخصيصه بالتمييز أحسن ( قوله : لأنه بمعنى إلخ ) أي فلا يقال : إنه يلزم عليه نعت المفرد بالجمع وهو لا يصح ( قوله : لكل مد وثلثان ) أي فمجموعها مائة مد بمده عليه الصلاة والسلام وذلك خمسة وعشرون صاعا ; لأن الصاع أربعة أمداد ( قوله : إن اقتاتوه ) أي أهل بلد المكفر ( قوله : أو مخرجا ) أي أو اقتاتوا شيئا مما يخرج في زكاة الفطر ، وعطفه على التمر من عطف العام على الخاص وقد أجازه بعضهم كعكسه بأو ، وبعضهم منعه وعليه فيقال هنا أو مخرجا في الفطر أي من غير التمر ( قوله : فعدله ) أي فالواجب إخراج المعادل لما ذكر من الأمداد من ذلك المقتات ، والمعتبر المعادلة في الشبع لا في الكيل كما قال الشارح ( قوله من مد حنطة ) المراد المد الهشامي ، وهو مد وثلثان بمد النبي صلى الله عليه وسلم ( قوله : عن مد هشام ) أي ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي كان عاملا على المدينة لعبد الملك بن مروان هذا هو الصواب كما في بن .

( قوله : ولا أحب إلخ ) نص المدونة قال مالك : لا أحب الغداء والعشاء في الظهار ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى وقد حمله أبو الحسن على الكراهة مستدلا بقول ابن المواز : إنه يجزئ ذلك فيهما وحمله ابن ناجي على التحريم مستدلا بقول المدونة : إني لا أظنه يبلغ مدا ، وبقولها : ويجزئ ذلك فيما سواهما من الكفارات فمفهومه عدم الإجزاء في الظهار والفدية ا هـ بن ( قوله : فإنه لا يجزئ فيها الغداء والعشاء ) أي عوضا عن المدين وذلك لأن من أنواع فدية الأذى ستة مساكين لكل مسكين مدان بمده عليه الصلاة والسلام ( قوله : لأني لا أظنه ) أي ما ذكر من الغداء والعشاء يبلغ مدا بالهشامي بل المد الهشامي يزيد عنهما عادة ( قوله حينئذ ) أي حين العود ( قوله : فغلب على ظنه عدم قدرته عليه ) أي في المستقبل أي ، وأولى إذا جزم بعدم قدرته عليه في الحال ( قوله : فأولى إن ظن عدم القدرة ) أي أو جزم بعدمها ( قوله : فهو عطف على لا ينتقل ) أي على كل الاحتمالين في التقدير ، ولا يصح عطف قوله : أو إن شك على قوله : إن أيس لفساد المعنى ; لأن المعنى أو لا ينتقل إلا إن شك فيفيد أن الآيس لا ينتقل على هذا القول ، وليس كذلك ( قوله : في الشك ) أي في الشك في القدرة على الصوم في المستقبل وعدم القدرة عليه وإذا جزم بالقدرة أو ظنها فلا ينتقل للإطعام قولا واحدا وإن جزم بعدمها أو ظن عدمه انتقل له قولا واحدا والخلاف في حالة الشك فلا ينتقل على الأول وينتقل [ ص: 455 ] على الثاني .

( قوله : وتؤولت أيضا على أن الأول إلخ ) هذا التأويل بالوفاق لابن شبلون والذي قبله بالخلاف لبعض القرويين ، وعكس تت هذا العزو وتبعه خش والصواب ما ذكرنا ; إذ هو الذي في التوضيح وابن عرفة ا هـ بن ( قوله : والمعتمد أن بينهما خلافا ) أي فالأول يقول لا يكفي الانتقال مع الشك سواء دخل في الكفارة بالصوم ، أو لم يدخل فيها ، والثاني يقول بالكفاية مطلقا ( قوله : والمعول عليه القول الأول ) أي وعليه فلا يجزيه الإطعام ، ويجب عليه أن يؤخر الصوم حتى يقدر عليه




الخدمات العلمية