الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) من النجس ( مني ومذي وودي ) ولو من مباح الأكل في الثلاثة للاستقذار والاستحالة إلى فساد ولأن أصلها دم ولا يلزم من العفو عن أصلها العفو عنها والثلاثة بوزن ظبي وصبي ( وقيح ) بفتح القاف مدة لا يخالطها دم ( وصديد ) وهو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم قبل أن تغلظ المدة ، وقيل بل ولو غلظت ومثل ذلك في النجاسة ما يسيل من موضع حك البثرات وما يرشح من الجلد إذا كشط وما يسيل [ ص: 57 ] من نفط النار ( ورطوبة فرج ) من غير مباح الأكل أما منه فطاهرة إلا المتغذي بنجس ( ودم مسفوح ) أي جار بسبب فصد أو ذكاة أو نحو ذلك إذا كان من غير سمك وذباب بل ( ولو ) كان مسفوحا ( من سمك وذباب ) وقراد وحلم خلافا لمن قال بطهارته منها ، وأما قبل سيلانه من السمك فلا يحكم بنجاسته ولا يؤمن بإخراجه فلا بأس بإلقائه في النار حيا ( وسوداء ) مائع أسود كالدم العبيط أي الخالص الذي لا خلط فيه أو كدر أو أحمر غير قانئ أي شديد الحمرة ( ورماد نجس ) بفتح الجيم عين النجاسة وبكسرها المتنجس ولفظه هنا يحتملهما بناء على أن النجاسة إذا تغيرت أعراضها لا تتغير عن الحكم الذي كانت عليه عملا بالاستصحاب والمعتمد أنه طاهر ( ودخانه ) [ ص: 58 ] ضعيف والمعتمد طهارته أيضا ( وبول وعذرة من آدمي و ) من ( محرم ) كحمار ( و ) من ( مكروه ) كسبع وهر ووطواط

التالي السابق


( قوله : ولو من مباح ) أي هذا إذا كانت من آدمي أو من محرم الأكل بل ولو كانت من مباح .

واعلم أن هذه الثلاثة من الآدمي ومحرم الأكل نجسة من غير خلاف ، وأما من المباح فقيل بنجاستها وقيل بطهارتها ( قوله : للاستقذار ) أي إنما كان كل واحد من الثلاثة نجسا ، ولو من مباح لاستقذاره وهذه العلة تقتضي النجاسة ما لم يعارضها معارض كمشقة التكرار في نحو المخاط والبصاق ( قوله : والاستحالة ) أي استحالة أصلها وهو الدم إلى فساد ( قوله : ولأن أصلها دم إلخ ) رد هذا التعليل بأن الفضلات في بطن الحيوانات لا يحكم عليها بشيء أي لا بطهارة ولا بنجاسة وحينئذ فأصلها وهو الدم الذي في الحيوان ليس نجسا

( قوله : ولا يلزم من العفو إلخ ) جواب عما يقال مقتضى كون الدم أصلا لها أن يعفى عن دون الدرهم منها كما عفي عنه في الدم .

وحاصل الجواب أنه لا يلزم من العفو عن اليسير من الدم العفو عن اليسير منها إذ ليس كل ما ثبت لأصل يثبت لفرعه ( قوله : من العفو عن أصلها ) أي عن اليسير من أصلها ( قوله : العفو عنها ) أي عن اليسير منها ( قوله : قبل أن تغلظ المدة ) أي فإذا غلظت فلا اسم لها إلا مدة وهي نجسة بطريق الأولى ( قوله : البثرات ) أي البقابيق [ ص: 57 ] قوله : من نفط النار ) وكذا ما يسيل من نفطات الجسد في أيام الحر ( قوله : من غير مباح ) شمل ذلك الآدمي وهو كذلك على الراجح خلافا لمن قال بطهارة رطوبة فرج الآدمي ويترتب على نجاسة رطوبة فرج الآدمي تنجيس ذكر الواطئ أو إدخال خرقة أو أصبع مثلا فيه فتعلق به أو بها الرطوبة ( قوله : أما منه فطاهرة ) أي لأنه إذ كان بوله طاهرا فأولى رطوبة فرجه ومحل طهارة رطوبة فرج المباح ما لم يتغذ بنجس كما قال الشارح وما لم يكن ممن يحيض كإبل وإلا كانت نجسة عقب حيضه ، وأما بعده فطاهرة لما يأتي في قوله ، وإن زال عين النجاسة بغير المطلق إلخ كذا في حاشية شيخنا ( قوله : إذا كان من غير سمك ) أي إذا كان ذلك من سائر الحيوانات غير سمك إلخ ( قوله : بل ولو من سمك وذباب ) أي فهو نجس ويعفى عما دون الدرهم إذا انفصل عنه وهل الدم المسفوح الذي في السمك هو الخارج عند التقطيع الأول لا ما خرج عند التقطيع الثاني أو الجاري عند جميع التقطيعات واستظهر بعض الأول ( قوله : خلافا لمن قال بطهارته منها ) أي من المذكورات وهو ابن العربي ويترتب على الخلاف جواز أكل السمك الذي يوضع بعضه على بعض ويسيل دمه من بعضه إلى بعض وعدم جواز ذلك فعلى كلام المصنف لا يؤكل منه إلا الصف الأعلى وعلى كلام ابن العربي يؤكل كله ومذهب الحنفية أن الخارج من السمك ليس بدم بل رطوبة وحينئذ فهو طاهر .

واعلم أنه إذا شك هل هذا السمك كان من الصف الأعلى أو من غيره أكل ; لأن الطعام لا يطرح بالشك كذا قرر شيخنا ( قوله : وسوداء ) أي التي هي أحد الأخلاط الأربعة : الصفراء والدم والسوداء والبلغم ولا بد في كل إنسان من وجود هذه الأربعة فالسوداء والدم نجسان والصفراء والبلغم طاهران ( قوله : مائع أسود ) أي يخرج من المعدة ( قوله : كالدم العبيط ) هو بالعين المهملة معناه الخالص أي الصافي الذي لا خلط فيه ، وأما الغبيط بالغين المعجمة فهو الهودج ومنه قول امرئ القيس

تقول وقد مال الغبيط بنا معا عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

( قوله : أو كدر إلخ ) أشار إلى أن السوداء تطلق على ثلاثة أمور : الدم الخالص الذي لا خلط فيه ، والدم الذي فيه خلط ; لأن الكدر هو غير الصافي وعدم الصفاء بالخلط ، والدم الأحمر الذي لم تشتد حمرته .

والحاصل أنها على الأولين مائع أسود إما خالص من الخلط وهو ما أشار له بقوله كالدم العبيط وإما غير خالص وهو ما أشار له بقوله ( أو كدر ) ، وأما على الثالث فهي دم أحمر خالص وعلم من كلامه أن الدم والسوداء نجسان فلو خالط القيء أو القلس أحدهما أو عذرة حال كون القيء أو القلس ينقلب إلى المعدة فإن المعدة تنجس ويترتب على نجاسة المعدة بطلان صلاته إذا كان الرد المذكور عمدا على ما يأتي في إزالة النجاسة ( قوله : أي شديد الحمرة ) تفسير لقانئ ( قوله : ورماد نجس ) قال ابن مرزوق ما نصه اعتمد المصنف فيما صرح به من نجاسة الرماد على قول المازري إنه لا يطهر عند الجمهور من الأئمة وما كان حقه أن يفتى فيه إلا بما اختاره اللخمي والتونسي وابن رشد من طهارته ، وأما كلام المازري فيحتمل أن يريد به الأئمة من غير مذهبنا ا هـ نقله بن ثم إن قول المصنف ورماد نجس بالإضافة أي رماد وقيد نجس لا بالتنوين ; لأن الرماد إذا كان نجسا لم يحكم عليه بأنه نجس ; لأنه تحصيل الحاصل ( قوله : بناء ) راجع لكلام المتن ( قوله : والمعتمد أنه طاهر ) أي مطلقا وأن النار تطهر سواء أكلت النار النجاسة أكلا قويا أو لا خلافا لمن قال بنجاسته كالمصنف ولمن فصل وعلى المعتمد فالخبز المخبوز بالروث النجس طاهر ، ولو تعلق به شيء من الرماد وتصح الصلاة قبل غسل الفم من أكله ويجوز حمله في [ ص: 58 ] الصلاة وكذا ينبني عليه طهارة ما حمي من الفخار بنجس وكذا عرق حمام به ( قوله : والمعتمد أنه ) أي دخان النجس طاهر الذي في ح أن ظاهر المذهب نجاسة دخان النجاسة وهو الذي اختاره اللخمي والتونسي والمازري وأبو الحسن وابن عرفة قال بعضهم وهو المشهور نعم ابن رشد اختار طهارته كالرماد ا هـ بن ( قوله : وبول وعذرة من آدمي ) أي غير الأنبياء ولا فرق بين كون الآدمي صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى أكل الصغير الطعام أم لا زالت رائحة البول منه أم لا كان البول كثيرا أو قليلا ، ولو متطايرا كرءوس الإبر ، ولو نزل البول أو الطعام على حالته من غير تغير على المعتمد




الخدمات العلمية