الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] { باب } في أحكام الفلس

( للغريم ) رب الدين واحدا أو متعددا ويطلق الغريم على من عليه الدين ففعيل بمعنى فاعل أو مفعول ويدل على إرادة الأول قوله ( منع من أحاط الدين ) ولو مؤجلا ( بماله ) بأن زاد الدين عليه وقيل [ ص: 262 ] وكذا إن ساواه واستظهر ( من تبرعه ) بعتق أو هبة أو صدقة أو حبس أو حمالة ، ولا يجوز له هو ذلك ولهم رده حيث علموا ومن التبرع قرض لعديم لما في ذلك من ضياع مال الغير وليس منه ما جرت العادة به ككسرة لسائل ونفقة عيدين وأضحية ونفقة ابنه وأبيه دون سرف في الجميع وخرج بتبرعه تصرفه المالي كبيعه وشرائه ومنه هبة الثواب ( و ) للغريم منعه ( من سفره ) أي المدين مطلقا ولو لم يحط الدين بماله ( إن حل ) الدين ( بغيبته ) وأيسر ولم يوكل في قضائه ولم يضمنه موسر ( و ) له منعه من ( إعطاء غيره ) من الغرماء بعض ما بيده ( قبل ) حلول ( أجله ) ; لأنه سلف فيرجع للتبرع ( أو ) إعطاء غيره ( كل ما بيده ) ولو حل الدين ( كإقراره ) أي المدين ( لمتهم عليه ) كابنه وأخيه وزوجة يميل إليها وصديق ملاطف فللغريم منعه منه ( على المختار والأصح ) بخلاف غير المتهم عليه فيعتبر إقراره ، وسواء كان الدين الذي عليه ثابتا بالبينة أو بإقراره على أحد القولين والفرق بينه وبين المفلس الآتي أن هذا أخف من ذلك ( لا ) منعه من إعطاء ( بعضه ) أي بعض ما بيده لبعض غرمائه الحال دينه ويجوز له هو أيضا ذلك [ ص: 263 ] إن كان صحيحا لا مريضا ( و ) لا منعه من ( رهنه ) أي رهن بعض ماله لبعض غرمائه في معاملة حدثت اشترط فيها الرهن لمن لا يتهم عليه والراهن صحيح وأصاب وجه الرهن بأن لا يرهن كثيرا في قليل فشروط عدم المنع ستة ، وأما الدين الثابت من قبل فلا يرهن فيه ( وفي ) جواز ( كتابته ) لرقيقه بناء على أنها بيع ومنعه بناء على أنها عتق ( قولان ) محلهما إن كاتبه بكتابة مثله لا أقل فلا يجوز قطعا ، ولا أكثر فيجوز قطعا ( وله ) أي لمن أحاط الدين بماله ( التزوج ) ووطء ملكه وشراء جارية ( وفي تزوجه أربعا وتطوعه بالحج تردد ) لابن رشد وحده والمختار المنع فيما زاد على واحدة تعفه وحج التطوع ممنوع اتفاقا وقول مالك في حجة الفريضة المنع فلو قال وله تزوج واحدة فقط لا حجة فريضة لطابق النقل .

التالي السابق


{ باب في الفلس } ( قوله بمعنى فاعل ) راجع لرب الدين ; لأنه غارم لماله ودافع له للمدين ، وقوله أو مفعول راجع لمن عليه الدين ; لأنه مغروم ومدفوع له المال فهو لف ونشر مرتب ( قوله منع من أحاط الدين بماله ) أي منع المدين الذي أحاط الدين بماله أو منع مدين أحاط الدين بماله فمن إما موصولة أو نكرة موصوفة وعلى كل حال فهي واقعة على المدين ( قوله ولو مؤجلا ) أي هذا إذا كان الدين حالا بل ولو كان مؤجلا ، وأشار بذلك لقول المدونة ولا يجوز عتق ولا صدقة ولا هبة لمن أحاط الدين بماله وإن كانت الديون عليه لأجل بعيد ا هـ خلافا لما في تت من أن الغريم إذا كان دينه مؤجلا لم يكن له منع المدين الذي أحاط الدين بماله من التبرعات المذكورة وهو تابع في ذلك لشيخه [ ص: 262 ] الشيخ علي السنهوري لكن كلام ابن عرفة يفيده بل في كلام بعضهم ما يفيد ترجيحه كما كتب ذلك بعض تلامذة ابن عبق نقلا عنه ( قوله وكذا إن ساواه واستظهر ) أي ; لأن العلة إتلاف مال الغير وهي متحققة في الزائد وكذا في المساوي بل النقل أن الدين إذا أحاط ببعض ماله فإنه يمنع من التبرع إذا كان التبرع ينقص ماله عن الدين فإذا كانت حمالته التي تحمل بها لا يحملها ما فضل من ماله بعد الدين الذي عليه فلا تجوز وتفسخ ، وأما إن كان يحملها ما فضل من ماله بعد ما عليه من الدين فهي جائزة في الحكم سائغة في فعلها انظر بن فإذا كان يملك مائة وعليه خمسون دينارا ، فإن تحمل بأربعين جاز وإن تحمل بستين منع .

( قوله من تبرعه ) متعلق بمنع ( قوله أو حمالة ) أي لأنها من ناحية الصدقة ( قوله ولا يجوز له هو ) أي من أحاط الدين بماله ، وقوله ذلك أي التبرع المذكور ( قوله حيث علموا ) أي ولو بعد طول زمان ( قوله ومن التبرع قرض لعديم ) الأولى حذف قوله لعديم لما يأتي له في الإعطاء قبل الأجل ( قوله وأضحية ) أي لأنها سنة وليست تبرعا ونفقة ابنه وأبيه أي المعدمين ; لأنها واجبة فليست تبرعا ، وأما إذا كانا موسرين فيمنع من الإنفاق عليهما لأنه تبرع ( قوله وخرج بتبرعه تصرفه المالي ) أي فلا يمنع منه بمجرد إحاطة الدين بماله ، وإنما يمنع من ذلك بالتفليس بالمعنى الأعم وهو قيام الغرماء عليه وأولى بالمعنى الأخص فيمنع بكل منهما من التصرف المالي بالتبرعات والبيع والشراء ولو بغير محاباة ( قوله ومنه ) أي ومن التصرف المالي الذي لا يمنع منه ( قوله أي المدين مطلقا ) أي لا بقيد إحاطة الدين بماله ففي كلامه استخدام ; لأن من واقعة على المدين بقيد كونه أحاط الدين بماله بدليل الصلة أو الصفة وضمير سفره راجع للمدين الأعم ( قوله بغيبته ) أي وأما إن كان الدين لا يحل في غيبته فليس له منعه من السفر كما أنه لو كان يحل في غيبته ولكنه ثابت العسر فلا يمنعه أو كان موسرا ووكل في قضائه إذا حل أو ضمنه موسر فلا يمنعه من السفر ومحل عدم منعه إذا كان لا يحل في غيبته ما لم يكن معروفا باللدد وإلا كان للغريم منعه لاحتمال أن يتراخى في الرجوع من السفر لددا ( قوله وإعطاء غيره قبل أجله ) أي ، وأما دفعه بعض ما بيده لغيره من الغرماء بعد حلول أجله فلا يمنع منه كما ذكره المصنف بعد ( قوله لأنه سلف ) أي لأن من عجل ما أجل عد مسلفا والسلف من جملة التبرع فيرد كل ما أعطاه للغير وقال بعضهم لا يرد كل ما أعطاه لذلك الغير بل بعضه ; لأن قيمة المؤجل أقل من قيمته معجلا فالزائد على قيمته مؤجلا هبة ترد اتفاقا ( قوله أو إعطاء غيره ) أي غير المانع له من الغرماء كل ما بيده ، ومثل إعطاء الكل ما إذا بقي في يده فضلة لا يعامله الناس عليها ، فإن وقع وأعطى جميع ما بيده لبعض الغرماء بعد الأجل كان لغيره رد الجميع على الظاهر ولا يبقى البعض الجائز مع الحلول من باب صفقة جمعت حلالا وحراما فسدت كلها ( قولها على المختار ) أي على ما اختاره اللخمي من خلاف حكاه بالجواز وعدمه ، ثم قال بعد ما حكاه وأن لا يجوز أحسن ( قوله والأصح ) أي لأنه هو الذي قضى به قاضي الجماعة حين نزلت تلك المسألة بقفصة وقال المتيطي إنه المشهور ( قوله وسواء إلخ ) هذا تعميم في اعتبار إقراره لمن لا يتهم عليه ( قوله على أحد القولين ) أي وسيأتي القول الآخر وهو الراجح أنه لا فرق بين المفلس ومن أحاط الدين بماله من أن إقرار كل لمن لا يتهم إنما يمضي إذا كان دين الغرماء ثابتا بالإقرار لا بالبينة كما أن إقرار كل لمن يتهم عليه لا يمضي سواء كان دين الغرماء ثابتا بالإقرار أو بالبينة ( قوله والفرق بينه ) أي بين من أحاط الدين بماله حيث جاز إقراره لمن لا يتهم عليه مطلقا كان الدين الذي للغرماء ثبت بالبينة أو بالإقرار وبين المفلس حيث جاز إقراره لمن لا يتهم عليه دين الغرماء ثابتا بالإقرار لا بالبينة ( قوله أخف من ذلك ) أي [ ص: 263 ] لأن ذلك قام عليه الغرماء أو حكم الحاكم بخلع ماله فهو أشد ( قوله إن كان صحيحا لا مريضا ) هذا هو الذي في كتاب المديان من المدونة ; لأن الشأن أن المريض تنقطع معاملته أو أنه مظنة لذلك بالموت وحكى ابن عرفة قولا لبعضهم مقابلا له وأن المريض كالصحيح في الجواز ( قوله فشروط عدم المنع ) أي من الرهن ستة مساقها هكذا : أن يكون المرهون بعض ماله ، وأن يكون في معاملة حدثت بعد إحاطة الدين بماله ، وأن يكون الرهن قد اشترط في تلك المعاملة ، وأن يكون الرهن لمن لا يتهم عليه ، وأن يكون الراهن صحيحا ، وأن يصيب وجه الرهن : قال بن لم أر من ذكر هذه الشروط وظاهر المدونة وابن عرفة والتوضيح وغيرهم أن الجواز مطلق وتعقب شيخنا هذه الشروط بما حاصله أن سياق الكلام فيما بين الغرماء الأول بعضهم مع بعض فلا يظهر التقييد بالمعاملة الحادثة ويلزم من ذلك عدم التقييد باشتراط الرهن ولا معنى للتقييد بعدم التهمة ; لأن هذا ليس إقرارا ، وأما كون الراهن صحيحا فالمريض فيه الخلاف السابق في إعطاء البعض كما في بن عن ح ا هـ . والحاصل أنه يجوز للمدين الذي أحاط الدين بماله أن يرهن بعض ما بيده لبعض غرمائه في معاملة حادثة أو قديمة على الإحاطة إذا أصاب وجه الرهن وكان ذلك المدين صحيحا أو مريضا على أحد القولين كان المرتهن ممن لا يتهم عليه أم لا .

( قوله أي لمن أحاط الدين بماله ) أي ولم تقم عليه الغرماء ، وأما المفلس بالمعنى الأعم وهو من قام عليه الغرماء فليس له أن يتزوج بالمال الموجود كما في المدونة وابن الحاجب ا هـ بن ( قوله وفي تزوجه أربعا إلخ ) ظاهره أن التردد غير جار في تزوجه ثانية زائدة على الواحدة التي يحصل بها العفاف وغير جار في تزوجه ثالثة زائدة على الثانية التي يحصل بها العفاف وليس كذلك بل التردد جار في كل ما زاد على ما يحصل به العفاف لا في خصوص الأربع كما هو ظاهره ( قوله تردد لابن رشد ) أي فهو تردد لواحد وحينئذ فمعناه التجبر كما مر ( قوله تعفه ) أي لأنها تعفه عادة ، ونص ابن عرفة بعد ذكر تردد ابن رشد والظاهر منعه من تزوج ما زاد على الواحدة لعفته بها عادة ، ثم إن محل جواز تزوجه بالواحدة إذا كانت ممن تشبه نساءه لا إن كانت أعلى وأن يصدقها مثل صداقها ، فإن أصدقها أكثر من صداق مثلها فلغرمائه الزائد يرجعون عليها به وكان ذلك الزائد دينا لها عليه ( قوله وقول مالك ) أي والمختار قول مالك إلخ .




الخدمات العلمية