الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولا يتعقب حكم العدل العالم ) أي لا ينظر فيه من يتولى بعده لئلا يكثر الهرج والخصام وتفاقم الحال وحمل عند جهل حاله على العدالة إن ولاه عدل ( ونقض ) إن عثر على خطأ العدل العالم من غير تفحص ( وبين ) الناقض ( السبب ) الذي نقض من أجله لئلا ينسب للجور والهوى ( مطلقا ) أي نقضه هو ، أو غيره فقوله نقض بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على العدل العالم وقوله ( ما ) أي حكما مفعوله ( خالف ) فيه ( قاطعا ) من نص كتاب ، أو سنة أو إجماع ، أو القواعد كأن يحكم بشهادة كافر فإنه مخالف لقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وكأن يحكم بالشفعة للجار فإن الحديث الصحيح وارد باختصاصها بالشريك ولم يثبت له معارض صحيح وكأن يحكم بأن الميراث كله للأخ دون الجد ; لأن الأمة كلها على قولين اختصاص الجد أو مقاسمة الأخ له ولم يقل أحد باختصاص الأخ وحرمان الجد وكأن يحكم ببينة نافية دون المثبتة فإن القواعد الشرعية تقديم المثبتة على النافية ( أو ) خالف فيه ( جلي قياس ) من إضافة الصفة لموصوفها أي قياسا جليا وهو ما قطع فيه بنفي الفارق أو ضعفه كقياس الأمة على العبد في التقويم على من أعتق نصيبه منه من أحد الشريكين وهو موسر وشبه المصنف فيما تقدم أمرين : أولهما قوله ( كاستسعاء معتق ) بعضه بأن وقع من أحد الشركاء وهو معسر وأبى الشريك الثاني من عتق نصيبه فحكم له قاض بأن العبد يسعى لهذا المالك للبعض ويأتي له بقيمة نصيبه فيه ليكمل عتقه [ ص: 154 ] فإنه ينقض ولو كان المالك لهذا البعض حنفيا يرى أن مذهبه ذلك كما أنه يحد لو شرب النبيذ ولو لم ير الحد مذهبه وثانيهما قوله ( وشفعة جار ) وتقدم توضيحه واستبعد المازري وغيره نقض الحكم في المسألتين ; لأنه ورد في كل حديث ويجاب بأن عامة أهل العلم ولا سيما علماء المدينة لما قالوا بخلافهما صار العمل بهما كأنه خرق للإجماع .

( وحكم على عدو ) أي حكم القاضي على عدوه عداوة دنيوية فينقض ( أو ) حكم ( بشهادة كافر ) على كافر ، أو مسلم مع علم القاضي بذلك لمخالفته لنص الكتاب كما تقدم ( أو ميراث ذي رحم ) كعمة وخالة فينقض ( أو ) ميراث ( مولى أسفل ) من معتقه ( أو ) حكم بشيء من غير استناد لبينة ، أو إقرار بل ( بعلم ) منه ( سبق مجلسه ) قبل ولايته أو بعدها وأما لو قضى بما علمه في مجلس القضاء بأن أقر بين يديه فلا ينقض .

( أو جعل بتة ) ، أو ثلاثا ( واحدة ) أي حكم بذلك فينقض ويؤدب المفتي بذلك ; لأن القول به منكر في الدين ( أو ) ثبت ( أنه قصد كذا ) أي حكما صحيحا ( فأخطأ ) عما قصد لغفلة أو نسيان ، أو اشتغال بال ( ببينة ) متعلق بثبت المقدر أي ثبت ببينة أنه أخطأ عما قصده واحترز بذلك عما لو اعترف بذلك بدون بينة فلا ينقضه غيره وينقضه هو .

التالي السابق


( قوله : إن ولاه عدل ) أي أو كان ذلك القاضي المجهول الحال قاضي مصر . ( قوله : ونقض وبين السبب إلخ ) يعني أن القاضي العدل العالم إذا عثر على حكم خطأ مخالف للنص القاطع ، أو للقياس الجلي وكان ذلك الحكم صادرا من قاض عدل عالم سواء كان هو نفسه أو غيره فإنه يجب عليه نقضه وبيان السبب في نقضه .

فإن قلت قد تقدم أنه لا يتعقب حكم العدل العالم وهذا يقتضي تعقبه ; لأن نقض حكمه إنما نشأ عن تعقبه قلت إنه يجوز أن يكون رفع إليه فظهر خطؤه من غير فحص عن ذلك وقد أشار الشارح لذلك . ( قوله : أي نقضه هو ) أي ذلك المخطئ وكان الأوضح أن يقول أي كان حكمه ، أو كان حكم غيره . ( قوله : ما خالف قاطعا ) نحوه في الجواهر وهو يقتضي أنه لا ينقض ما خالف الظن الجلي وليس كذلك فقد قالوا إذا خالف نص السنة غير المتواترة فإنه ينقض وهو لا يفيد القطع نقله ابن عبد السلام عن بعضهم وقد يقال مراد المصنف بالقاطع الكتاب والسنة الصحيحة مطلقا متواترة أو لا ، وإلى ذلك يشير إطلاق الشارح في السنة تأمل . ( قوله : كأن يحكم بشهادة كافر ) أي وكحكمه بمساواة البنت لأخيها في الميراث . ( قوله : ولم يثبت له معارض صحيح ) أي وأما ما ورد من حديث الشفعة للجار فهو ضعيف .

( قوله : وكأن يحكم ببينة نافية دون المثبتة ) هذا مثال لما خالف القواعد الشرعية ومثاله أيضا الحكم بعدم لزوم الطلاق في المسألة السريجية وهي ما إذا قال لزوجته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ، أو متى ما طلقتك وقع عليك طلاقي قبله ثلاثا فإن وقع الطلاق تحقق قبله ثلاثا فلم يجد محلا ، وكل شيء أدى ثبوته إلى نفيه ينتفي قطعا فلا يلزمه طلاق أصلا كذا قال ابن سريج من الشافعية والقاعدة التي خالفها أن الشرط لا بد أن يجامع المشروط وإلا ألغي وحينئذ فقوله : قبله كالعدم لا يعتبر فهو ملغى لأجل أن تحصل المجامعة وحينئذ إذا طلقها واحدة لزم الثلاث . ( قوله : ثم شبه فيما تقدم ) أي بما تقدم وهو ما خالف قاطعا أو جلي قياس وإنما جعل الكاف للتشبيه لا للتمثيل لعدم صحة جعل ما بعدها مثالا لما قبلها كما قال طفى ; إذ ليس في الحكم بالاستسعاء مخالفة قاطع ولا جلي قياس بل ولا سنة ; لأن المراد بالمخالفة للسنة أن لا يكون الحكم مستندا لسنة أخرى وهذا ليس كذلك ; إذ هو موافق لسنة غاية الأمر أنها مرجوحة ولذا قال المازري في شرح التلقين إن النقض في هذه المسائل لمخالفة أهل المدينة ، ومذهب مالك أن إجماع أهل المدينة حجة فما خالف عملهم ينقض بمنزلة ما خالف قاطعا والنقض ليس قاصرا على مخالفة القاطع وجلي القياس ا هـ كلام طفى ، وقد يقال المراد بما خالف السنة ما خالف السنة الصحيحة سواء كان غير مستند لسنة أصلا ، أو مستندا لسنة ضعيفة كحكم القاضي في هاتين المسألتين وحينئذ فالكاف للتمثيل في الجميع خلافا للشارح حيث جعلها للتشبيه بالنسبة للأولين وللتمثيل لما بعدهما من استعمال المشترك في معنييه .

( قوله : بأن وقع ) أي عتق البعض [ ص: 154 ] قوله : فإنه ينقض ) اعلم أن النقض في هذه المسائل ليس متفقا عليه بل قال ابن عبد الحكم بعدم النقض نظرا لكون أدلتها غير قطعية والنقض عنده مقصور على مخالفة القاطع وهذا القول قد انفرد به عن أصحابه انظر بن . ( قوله : واستبعد المازري إلخ ) بل قال ابن عرفة مقتضى المذهب أن حكم الحاكم بالشفعة للجار رافع للخلاف فلا ينقض . ( قوله : لأنه ورد في كل ) أي من استسعاء العبد وشفعة الجار . ( قوله : حديث ) أي وحينئذ فالحكم فيهما لم يخالف قاطعا ولا جلي قياس . ( قوله : عداوة دنيوية ) أي وأما حكمه على عدوه في الدين فلا ينقض . ( قوله : على كافر أو مسلم ) اعلم أن شهادة الكافر على المسلم لا تقبل إجماعا وأما شهادته على مثله فقبلها أبو حنيفة .

( قوله : مع علم القاضي ) قيد بذلك لأجل أن يغاير قوله بعد أو ظهر إلخ . ( قوله : لمخالفته لنص الكتاب ) أي وللقياس الجلي أيضا وهو قياس الكافر على الفاسق فالحكم بشهادة الفاسق لا يجوز والكافر أشد فسقا وأبعد عن المناصب الشرعية فبمقتضى القياس لا يجوز الحكم بشهادته . ( قوله : أو ميراث ذي رحم ) أي والحال أن بيت المال منتظم وإلا فلا نقض وإنما نقض الحكم بميراث ذي الرحم لمخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر } .

( قوله : بعلم ) أي بسبب علم . ( قوله : أو بعدها ) أي وقبل جلوسه في محل القضاء . ( قوله : بأن أقر بين يديه ) أي طائعا وأما لو أقر بين يديه فحكم ، ثم تبين أنه مكره في ذلك الإقرار فإن كان غير متهم فلا ينقضه غيره وأما هو فيجب عليه نقضه ما دام قاضيا لا إن عزل ، ثم ولي وأما لو أقر المتهم بين يديه مكرها فلا ينقض الحكم أصلا ; لأن إقراره معتبر على ما لسحنون وبه العمل على ما مر . ( قوله : منكر في الدين ) أي لانعقاد الإجماع على خلافه كما في شرح الموطإ فلا يجوز الإفتاء به ولا الحكم ولا العمل في خاصة النفس . ( قوله : أو ثبت أنه قصد كذا ) حاصله أنه إذا ثبت ببينة اعتمدت على قرائن ، أو على إقراره قبل الحكم أنه قصد الحكم بهذا القول فأخطأ لغيره فإنه ينقضه هو وغيره وأما إذا ادعى ذلك بعد الحكم نقضه هو إذا ترافعا إليه ; لأنه أدرى بصدق نفسه . ( قوله : أي ثبت ببينة إلخ ) أي وعلم البينة بقصده يكون بالقرائن ، أو بإقراره قبل الحكم . ( قوله : واحترز بذلك ) أي بقوله ثبت ببينة . ( قوله : فلا ينقضه غيره ) أي فاشتراط البينة إنما هو باعتبار نقضه لحكم غيره وأما حكم نفسه فلا يحتاج للبينة ; لأنه يعلم خطأ نفسه بنفسه .




الخدمات العلمية