الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من المندوبات شرع في السنن وكان الأولى تقديمها فقال ( وسن ) لمريد صلاة الجمعة ( غسل ) صفته كغسل الجنابة [ ص: 385 ] ( متصل بالرواح ) أي لذهاب إلى الجامع ولو قبل الزوال ولا يضر يسير الفصل ، والتحقيق لغة أن الرواح والذهاب مطلقا لا بقيد كونه بعد الزوال خلافا لجمع إذا كان مريدها تلزمه بل ( ولو لم تلزمه ) كعبد وامرأة ومسافر وصبي ومحل السنية ما لم يكن ذا رائحة كريهة تتوقف إزالتها عليه وإلا وجب ( وأعاد ) غسله استنانا لبطلانه ( إن تغذى ) بعده خارج المسجد للفصل والغذاء بالذال المعجمة الأكل مطلقا وبالمهملة الأكل وسط النهار والمراد الأول ( أو نام اختيارا ) خارجه لأنه مظنة الطول بخلاف المغلوب ما لم يطل وبخلاف ما إذا كان ما ذكر داخل المسجد فلا يبطل ( لا ) يعيد ( لأكل خف ) ككل فعل خفيف ( وجاز ) لداخل ( تخط ) لرقاب الناس لفرجة وكره لغيرها ( قبل جلوس الخطيب ) على المنبر الجلسة الأولى وحرم بعده ولو لفرجة وجاز بعد الخطبة وقبل الصلاة ولو لغير فرجة كمشي بين الصفوف ولو حال الخطبة ( و ) جاز ( احتباء ) بثوب أو يد ( فيها ) أي حال الخطبة ( وكلام بعدها ) ومنتهى الجواز ( ل ) إقامة ( الصلاة ) وكره حينها وبعدها للإحرام وحرم بعد إحرام الإمام والذي في النقل الكراهة والجواز قبله ولا يختص ذلك بالجمعة ( و ) جاز ( خروج ) معذور ( كمحدث ) وراعف لإزالة مانعه ( بلا إذن ) من الخطيب هذا هو محط الجواز فلا ينافي أن الخروج واجب ( و ) جاز بمعنى خلاف الأولى على المعتمد ( إقبال على ذكر ) من تسبيح وتهليل وغير ذلك ( قل سرا ) ومنع الكثير والجهر باليسير ، قال بعض ولعل المراد بالمنع الكراهة وأما الجهر بالكثير فيحرم قطعا ومنه ما يفعل بدكة المبلغين فإنه بدعة مذمومة ( كتأمين وتعوذ ) واستغفار وتصلية ( عند ذكر السبب ) لها تشبيه لا تمثيل كما قيل [ ص: 386 ] لأن هذه غير مقيدة باليسار ولأن جواز ما ذكر عند سببه المراد منه الندب على المعتمد ( كحمد عاطس ) تشبيه في الجواز بمعنى الندب كالذي قبله بخلاف ما قبلهما فإنه جائز بمعنى خلاف الأولى كما في النقل ( سرا ) قيد فيه وفيما قبله ويكره جهرا ( و ) جاز ( نهي خطيب أو أمره ) إنسانا لغا أو فعل ما لا يليق كقوله لا تتكلم أو أنصت يا فلان حال خطبته ( و ) جاز ( إجابته ) فيما يجوز له التكلم فيه كأن يقول للخطيب عند نهيه أو أمره إنما حملني على هذا الأمر الفلاني مثلا ولا يعد كل من الخطيب والمجيب لاغيا

التالي السابق


( قوله وسن لمريد صلاة الجمعة غسل ) أي لا لغيره لأن الغسل للصلاة لا لليوم وما ذكره من سنية الغسل للجمعة هو المشهور من المذهب وقيل إنه واجب وقيل مندوب ومحل الخلاف إذا لم يكن له رائحة لا يذهبها إلا الغسل وإلا وجب اتفاقا ابن عرفة والمعروف من المذهب أنه سنة لآتيها ولو لم تلزمه والمشهور شرط وصله بالرواح إليها وكونه [ ص: 385 ] نهارا فلا يجزئ قبل الفجر ا هـ وفي افتقاره لنية قولان ذكرهما ح عن المازري وذكر عن الشبيبي أن الصحيح افتقاره إليها .

( قوله متصل بالرواح ) أي المطلوب عندنا وهو وقت الهاجرة فلو راح قبله متصلا به غسله لم يجزه وفيه خلاف قال أبو الحسن قال ابن القاسم في كتاب محمد إن اغتسل عند طلوع الفجر وراح فلا يجزئه وقال مالك لا يعجبني وقال ابن وهب يجزئه واستحسنه اللخمي ا هـ بن ( قوله ولا يضر يسير الفصل ) أي بين الغسل والذهاب للمسجد كأكل خف وإصلاح ثيابه وتبخيرها ونحو ذلك ( قوله تتوقف إزالتها عليه ) أي على الغسل ( قوله إن تغدى بعده ) أي أو حصل له عرق أو صنان ولو في المسجد أو خرج من المسجد متباعدا ( قوله خارج المسجد ) أي في بيت لا أن تغدى ماشيا في الطريق أو في المسجد فلا يضر كما في حاشية شيخنا و ( قوله للفصل ) أي بينه وبين الرواح للمسجد ( قوله اختيارا ) قال عبق ينبغي تقييد الأكل به قال بن فيه نظر بل هو خلاف إطلاقهم في الأكل وإنما قيد به عبد الحق النوم وقال شيخنا العدوي قاله اختيارا راجع لكل من الأكل والنوم على المعتمد لا للنوم فقط كما قيل ( وقوله بخلاف المغلوب ) أي على الأكل أو النوم أي فلا يطلب بإعادته ( قوله وبخلاف ما إذا كان ما ذكر ) أي من الأكل والنوم داخل المسجد فلا يبطله أي وكذا إذا كان الأكل في الطريق ، وانظر لو اغتسل ودخل المسجد لا يريد الصلاة به وطال مكثه فيه أو نام أو تغدى ثم انتقل لغيره فهل يبطل غسله أم لا ، واستظهر شيخنا الثاني قائلا لأن له أن يصلي في الأول ولا يبطل غسله ( قوله لا يعيد لأكل خف ) أي خارج المسجد وقصره الخفة على الأكل يقتضي أن النوم الخفيف ليس كذلك وكلام ابن حبيب يفيد أنه لا فرق بين الأكل والنوم الخفيفين فالنوم إذا لم يطل لا يضر كما لو يضر نقض الوضوء ولو قبل دخول المسجد قاله شيخنا .

( قوله والذي في النقل إلخ ) ما ذكره أولا من كراهة الكلام حين الإقامة وحرمته بعد إحرام الإمام هو ما ذكره عبق وغيره من الشراح فبعد ذكر الشارح له استدرك عليه بقوله والذي في النقل إلخ وعبارة بن الذي يدل عليه نقل المواق هنا و ح في آخر الأذان جواز الكلام حين الإقامة وفي المدونة ويجوز الكلام بعد فراغه من الخطبة وقبل الصلاة وفي ح في المحل المذكور عن عروة بن الزبير { كانت الصلاة تقام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي الرجل طويلا قبل أن يكبر } وأما الكلام بعد الإحرام فقد نص ابن رشد على أنه مكروه نقله ح في المحل المذكور قال إلا أن يكون فيه تشويش على غيره من المصلين فيحرم ا هـ بن وبالجملة فالمسألة ذات طريقتين وكل منهما قد رجح كما قرر شيخنا ( قوله الكراهة ) أي كراهة الكلام بعد إحرام الإمام ( قوله والجواز قبله ) أي سواء كان قبل الإقامة أو حينها أو بعدها وقبل الإحرام ( قوله وجاز خروج كمحدث بلا إذن ) أي وإن كان الاستئذان ( قوله بمعنى خلاف الأولى ) أي لأن ترك ذلك مندوب كما في المدونة وقوله على المعتمد مقابله ما ذكره عبق من أن ذلك مندوب ( قوله إقبال ) أي حال الخطبة ، والمراد بالإقبال على الذكر فعله مطلقا عند السبب وغيره ( قوله ومنع الكثير ) أي سرا ( قوله ولعل المراد بالمنع ) أي بمنع الكثير سرا ومنع الجهر باليسير والمراد بذلك البعض بن ( قوله كتأمين ) أي كما يجوز تأمين ( وتعوذ [ ص: 386 ] واستغفار وتصلية ) أي وكذا دعاء وطلب جنة أو نجاة من النار كما قرر شيخنا ( قوله لأن هذه غير مقيدة باليسارة ) أي بل تجوز مطلقا عند ذكر السبب سواء كانت قليلة أو كثيرة بشرط كونها سرا ( قوله المراد منه الندب ) أي لا خلاف الأولى كما في الذي قبله ولا المستوي الطرفين كما يفيده ح ( قوله بمعنى الندب ) فيه إشارة كما قال طفى إلى أن الجواز في كلام المصنف منصب على الإقدام عليه في هذه الحالة وإلا فهو في نفسه مطلوب وفي المدونة من عطس والإمام يخطب حمد الله سرا ا هـ بن وهل الحمد مطلوب على جهة الندب أو السنية قولان ورجح عبق وشب الأول واقتصر تت على الثاني وأقره طفى ( قوله قيد فيه وفيما قبله ) أي وهو التأمين والتعوذ عند ذكر السبب ، وهذا التقييد مبني على قول مالك أن التأمين والتعوذ عند السبب لا يفعلان إلا سرا أو الجهر بهما ممنوع وقال ابن حبيب يفعلان ولو جهرا لكن ليس بالعالي لأن العلو بدعة والمعتمد الأول كذا قرر شيخنا .

( قوله وجاز إجابته ) أي جاز لمن أمره الخطيب بأمر أو نهاه عن أمر إجابته وأما لو وقف الخطيب في الخطبة فلا يرد عليه أحد لأنه إجابة للإمام من غير أن يطلب منه الكلام ( قوله فيما يجوز له التكلم فيه ) أي كما إذا تكلم لأمر أو نهي لاغيا أو فاعل فعل لا يليق وكلام الشارح يقتضي أن قول المصنف وإجابته من إضافة المصدر لمفعوله أي أن الخطيب إذا خاطب إنسانا في شأن أمر جاز له إجابته ويصح أن يكون من إضافة المصدر لفاعله أي إذا خاطبه أحد في شأن أمر جاز له إجابته كقول علي لسائله وهو على المنبر صار ثمنها تسعا




الخدمات العلمية