الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم شرع في مندوبات الغسل فقال ( و ) ندب ( للغسل سدر ) وهو ورق شجر النبق يدق ناعما ويجعل في ماء ويخض حتى تبدو رغوته ويعرك به جسد الميت فإن لم يوجد فغيره من أشنان وصابون وغاسول وما في معنى ذلك يقوم مقامه ( و ) ندب ( تجريده ) من ثيابه ما عدا العورة ليسهل الإنقاء ( ووضعه ) حال الغسل ( على مرتفع ) لأنه أمكن ولئلا يقع شيء من ماء غسله على غاسله ( و ) ندب ( إيتاره ) أي الغسل أي كونه وترا إن حصل إنقاء بما قبله للسبع ثم المطلوب الإنقاء ( كالكفن لسبع ) راجع لهما لكن السبع في الكفن في حق المرأة والزيادة عليها سرف ( ولم يعد ) غسله أي يكره فيما يظهر ( كالوضوء لنجاسة ) خرجت من قبله أو دبره لأنه غير مكلف ، والقدر المأمور به على وجه التعبد قد حصل ( وغسلت ) من جسده [ ص: 416 ] وكفنه وجوبا أو استنانا على ما مر في إزالتها ( و ) ندب ( عصر بطنه ) خوف خروج شيء من النجاسة بعد تكفينه ( برفق ) لئلا يخرج شيء من أمعائه ( و ) ندب ( صب الماء ) متواليا ( في ) حال ( غسل مخرجيه بخرقة ) كثيفة يلفها بيده وجوبا ولا يفض بيده ما أمكنه ( وله الإفضاء إن اضطر و ) ندب ( توضئته ) قبل غسله وبعد إزالة النجاسة مرة مرة كما يفيده قوله آنفا وغسل كالجنابة ( وتعهد أسنانه وأنفه بخرقة ) مبلولة ( وإمالة رأسه برفق لمضمضة ) وعدم حضور غير معين للغاسل بل يكره حضوره ( و ) ندب ( كافور ) نوع من الطيب ( في ) الغسلة ( الأخيرة ) لأنه لشدة برودته يسد المسام فيمنع سرعة التغير ولطيب رائحته ( ونشف ) ندبا قبل تكفينه ( و ) ندب ( اغتسال غاسله ) بعد فراغه .

التالي السابق


( قوله وندب للغسل سدر ) أي في الغسلة التي بعد الأولى إذ هي بالماء القراح للتطهير والثانية بالماء والسدر للتنظيف والثالثة بالماء والكافور لأجل التطييب والمراد بالثانية ما تخلل بين الأولى والأخيرة فيصدق بأكثر من واحدة ( قوله ويعرك به جسد الميت ) أي ثم يصب عليه الماء ، ونص ابن ناجي في شرح الرسالة وقول الشيخ بماء وسدر مثله في المدونة ، وأخذ اللخمي منه جواز غسله بالمضاف كقول ابن شعبان وأجيب بأن المراد أنه لا يخلط الماء بالسدر بل يحك الميت بالسدر ويصب عليه الماء ، وهذا الجواب عندي متجه وهو اختيار أشياخي والمدونة قابلة لذلك فإن قلت إنه إذا عرك جسده بالسدر ثم صب الماء عليه يتغير الماء قلت اختار أشياخ ابن ناجي أن الماء الطهور إذا ورد على العضو طهورا أو انضاف بعد ذلك لا يضره ( قوله وما في معنى ذلك ) من أطرون وخطمي وهو بزر الخبيزى ( قوله وندب تجريده ) أي ولو أنحل المرض جسمه خلافا لعياض قال في المج وتغسيله صلى الله عليه وسلم في ثوبه تعظيم وغسله العباس وعلي والفضل وأسامة وشقران مولاه صلى الله عليه وسلم وأعينهم معصوبة لما ورد { ما رأى أحد عورتي إلا طمست عيناه } ومات ضحوة الاثنين وانظر هل غسل ثلاثا أو خمسا أو غير ذلك ودفن ليلة الأربعاء فما يقال استمر ثلاثة أيام بلا دفن فيه جعل الليلة يوما تغليبا وتأخيره لأجل اجتماع الناس وأول من صلى عليه عمه العباس ثم بنو هاشم ثم المهاجرون ثم الأنصار ثم أهل القرى وجملة من صلى عليه من الملائكة ستون ألفا ومن غيرهم ثلاثون ألفا وصلوا عليه كلهم فرادى لأنه لم يكن خليفة يجعل إماما قاله شيخنا ( قوله ما عدا العورة ) فإنها لا تجرد بل يجب سترها و ( قوله ليسهل الإنقاء ) أي إنقاء ما على بدنه من الأوساخ والنجاسة ( قوله ولئلا يقع شيء من ماء غسله على غاسله ) أي فينجسه إن كان الماء نجسا أو يقذر ثيابه إن كان غير نجس ( قوله ثم المطلوب الإنقاء ) حاصله أنه إذا حصل الإنقاء بمرتين كانت الغسلة الثالثة مستحبة ، وإذا حصل الإنقاء بأربع كانت الغسلة الخامسة مستحبة ، وإذا حصل الإنقاء بست كانت السابعة مستحبة ، ثم بعد السبع فالمطلوب الإنقاء لا الإيثار إذ الإيثار ينتهي ندبه للسبع فلا تندب التاسعة إذا حصل الإنقاء بثمان وهكذا ( قوله في حق المرأة ) أي بخلاف السبع في الغسل إذا احتيج له فلا يخص بالرجل ولا بالمرأة ( قوله ولم يعد كالوضوء لنجاسة ) أي ولا لإيلاج [ ص: 416 ] قوله وكفنه ) أي إذا خرجت بعد تكفينه ( قوله وعصر بطنه ) أي قبل الشروع في غسله ليغسل ما يخرج من الأذى قبل تغسيله ( قوله متواليا ) هذا مصب الندب وإلا فأصل الصب واجب ( قوله بخرقة ) أي حال كونه ملتبسا بخرقة أو مصاحبا لخرفة وجوبا ( قوله يلفها بيده ) أي اليسرى فيغسل المخرجين بيساره وبقية الجسد بيمينه ( قوله ولا يفضي بيده ) أي لمخرج الميت ما أمكنه أي مدة إمكانه الغسل بالخرقة ( قول وله الإفضاء إلخ ) هذا مثل قوله في المدونة وإن احتاج أن يباشر بيده فعل ا هـ قال اللخمي ومنعه ابن حبيب وهو أحسن لأن الحي إذا كان لا يستطيع إزالتها لعلة أو غيرها إلا بمباشرة غيره ذلك فإنه لا يجوز أن يوكل من يمس فرجه لإزالة ذلك منه ويجوز أن يصلي على حالته فهو في الموت بذلك فلا يكشف ويباشر ذلك منه إذ لا يكون الميت في إزالة تلك النجاسة أعلى من الحي ( قوله مرة مرة ) في التوضيح عن الباجي أنه على القول بتكرير الوضوء بتكرير الغسل لا يوضأ ثلاثا بل مرة مرة لئلا يقطع التكرار المنهي عنه ، وأما على القول بعدم تكرار الوضوء بتكرار الغسل فإنه آجر ثلاثا ثلاثا في الغسلة الأولى ا هـ بن ( قوله وأنفه بخرقة ) أي خرقة أخرى غير الخرقة الأولى التي غسل بها مخرجه كما في التوضيح ويفهم ذلك من إعادة النكرة نكرة ا هـ بن وتعهد الأسنان والأنف بالخرقة قبل الوضوء فيما يظهر قاله شيخنا ( قوله وإمالة رأسه ) أي لصدره ( قوله لمضمضة ) أي وكذا الاستنشاق ( قوله وندب كافور في الغسلة الأخيرة ) اعلم أن الندب يحصل بوضع أي نوع من الطيب في ماء الغسلة الأخيرة لكن كونه كافورا أفضل من غيره فهو مستحب ثان ( قوله يسد المسام ) أي كما يمسك الجسد فيمنع سرعة التغير ويؤخذ منه أن الدفن في الأرض التي لا تبلي أفضل وعكس الشافعية فقالوا بأفضلية التي تبلي فالدفن فيها عندهم أولى ، و صفة الغسل بالكافور ونحوه في الغسلة الأخيرة أن يخلط الكافور بالماء ويغسل به بدن الميت ولا يتبع بعد ذلك بماء بخلاف غسلة السدر فإنها صب الماء بعد عرك البدن به ، كذا نقل شيخنا عن بعض شيوخه ، لكن الذي في المدخل : وصفته أن يؤخذ شيء من الكافور فيجعل في إناء فيه ماء ويذيبه فيه ثم يغسل الميت به ، فهذا يقتضي أن غسلة الكافور كغسلة السدر في الصفة ولعل هذه الطريقة أولى ( قوله نشف ندبا ) أي لا وجوبا كما يوهمه التعبير بالفعل ولو قال وتنشيف كان أظهر ( قوله واغتسال غاسله ) أي لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به كما في حديث أبي هريرة الذي في الموطإ { من غسل ميتا فليغتسل } وقد اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم إن الأمر هنا تعبدي لا معلل وحمله على مقتضاه من الوجوب ، وقال بعضهم إن الأمر معلل وحملوه على أنه للندب ثم اختلفوا في العلة فمنهم من قال إنما أمر بالغسل لأجل أن يبالغ في غسل الميت لأنه إذا غسل الميت موطنا على الغسل لم يبال بما تطاير عليه منه فكان سببا لمبالغته في غسله ، ومنهم من قال ليس معنى أمره بالغسل أن يغسل جميع بدنه كغسل الجنابة وإنما معناه أنه يغسل ما باشره به أو تطاير عليه منه لأنه ينجس بالموت وإلى هذا ذهب ابن شعبان ا هـ وعلى كلا القولين لا يحتاج هذا الغسل لنية فليس كغسل الجنابة وإنما لم يؤمر بغسل ثيابه على الثاني للمشقة




الخدمات العلمية