الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إن نسي ) وفرق بين الأعضاء يعني ترك ما بعد المفعول ناسيا إكمال وضوئه ثم تذكر ، فإنه يبني على ما فعل ( مطلقا ) طال ما قبل التذكر أو لم يطل ( و ) بنى بغير تجديد نية لحصولها حقيقة أو حكما ( إن ) ( عجز ) عن إكمال وضوئه بأن أعد من الماء ما يظن أنه يكفيه أو يشك في كفايته فلم يكفه فيهما ( ما لم يطل ) الفصل وكذا لو أعد من الماء ما لا يكفيه جزما أو ظنا وقيل لا يبني مطلقا ولو لم يطل فيهما أي لتردد نيته بل داخل على عدم الإتمام وكذا لو فرق عمدا مختارا أي من غير نية رفض فيبني ما لم يطل على التحقيق وخلافه لا يلتفت إليه ، فإن طال ابتدأ وضوءه لفقد الموالاة ، وأما لو أعد من الماء ما يجزم بأنه يكفيه فتبين خلافه أو أراقه شخص أو غصبه أو أريق بغير اختياره أو أكره على التفريق ، فإنه ملحق في هذه الخمسة بالناسي على المعتمد فيبني مطلقا وكذا لو قام به مانع لم يقدر معه على إكمال وضوئه ثم زال هذا حاصل كلامهم وكان التحقيق حيث جعلوا الموالاة واجبة مع الذكر والقدرة أن يجعلوا الناسي والعاجز مستويين في البناء مطلقا ويفسروا العاجز بهذه الصور التي جعلوها ملحقة بالناسي إذ العجز ظاهر فيها ويحكموا بأن غيرهما يبني ما لم يطل لعدم ضرر التفريق اليسير ويجعلوا ما فسروا به العاجز من الصورتين ملحقا بغيرهما ، والطول مقدر ( بجفاف أعضاء بزمن ) أي في زمن ( اعتدلا ) أي الأعضاء والزمن فاعتدال الأعضاء من حيث اعتدال صاحبها بين الشيوخة والشبوبة حال الصحة ، واعتدال الزمن كونه بين الحر والبرد حال سكون الريح ولا بد من تقدير اعتدال المكان [ ص: 93 ] كما عزاه الفاكهاني لابن حبيب فقيام البلل عندهم دليل على بقاء أثر الوضوء ( أو ) الموالاة ( سنة ) وعليه إن فرق ناسيا لا شيء عليه وكذا عامدا على ما لابن عبد الحكم ، ومقابله قول ابن القاسم يعيد الوضوء والصلاة أبدا كترك سنة من سننها عمدا على أحد القولين والثاني لا تبطل ، في الجواب ( خلاف ) في التشهير والأول أشهر

التالي السابق


( قوله : طال ما قبل التذكر أو لم يطل ) محل القصد هو الطول ; لأن عدم الطول موالاة كما تقدم ( قوله : وإن عجز ) الواو للاستئناف وجواب الشرط محذوف أي بنى ما لم يطل وليست الواو عاطفة على إن نسي وإلا لاقتضى أن العاجز يبني بنية ( قوله : لحصولها إلخ ) هذا إشارة للفرق بين الناسي والعاجز وحاصله أن الناسي لما كان عنده إعراض عن الوضوء احتاج لتجديد نية بخلاف العاجز ، فإنه لما لم يعرض عن الوضوء ولم يذهل عنه لم يحتج لنية لحصولها حقيقة أو حكما ( قوله : ما لم يطل الفصل ) أي بين انتهاء ما فعل أولا وبين إكمال الوضوء ، فإن طال ابتدأ الوضوء من أوله كما يأتي للشارح ( قوله : : وكذا لو أعد من الماء ما لا يكفيه جزما أو ظنا ) أي فإنه يبني بغير نية إن لم يطل كما في التوضيح ( قوله : وقيل : لا يبني مطلقا إلخ ) أي للتلاعب والدخول على الفساد وعدم جزم النية فهو أشد من عمد التفريق المغتفر فيه القرب كما في عج وارتضاه شيخنا في الحاشية ولكنه اعتمد الأول في تقريره ( قوله : : وكذا لو فرق عمدا إلخ ) أي فيكون جملة الصور التي يبني فيها عند عدم الطول خمس صور صورتان يبني فيهما اتفاقا وهما صورتا العجز الحكمي أعني ما إذا أعد من الماء ما يكفيه ظنا أو شكا فتبين أنه لا يكفيه وثلاث صور يبني فيها على الراجح : من أعد من الماء ما لا يكفيه جزما أو ظنا ومن فرق عامدا مختارا غير رافض للنية ( قوله : وخلافه ) أي وخلاف التحقيق وهو عدم البناء مطلقا ولو لم يطل لا يلتفت إليه ( قوله : فإن طال ) أي التفريق من العاجز والعامد ومن ذكر معهما ( قوله : ابتدأ وضوءه إلخ ) أي فلو خالف وبنى على ما فعله أولا وصلى بذلك الوضوء أعاد الوضوء والصلاة أبدا لترك الواجب وهو الموالاة ( قوله : أو أكره على التفريق ) قال طفى في أجوبته الظاهر أن الإكراه هنا يكون بما يأتي للمؤلف في الطلاق من خوف مؤلم فأعلى إذ هذا الإكراه هو المعتبر في العبادات ا هـ بن ( قوله : وكذا لو قام به مانع ) أي فتكون الصور التي يبني فيها مطلقا سبعة : الناسي ، وهذه الصور الستة المذكورة هنا الملحقة به ( قوله : مستويين في البناء مطلقا ) أي لعدم وجوب الموالاة في حقهم ( قوله : : بهذه الصور إلخ ) أي الستة المتقدمة في قوله

وأما لو أعد من الماء ما يجزم بأنه يكفيه فتبين أنه لا يكفيه أو أراقه شخص أو غصبه أو أريق منه بغير اختياره أو أكره على التفريق أو قام به مانع لم يقدر معه على إكمال وضوئه ( قوله : ويحكموا بأن غيرهما ) أي غير العاجز والناسي وهو العامد حقيقة أعني من فرق عامدا مختارا أو حكما وهو من أعد من الماء ما لا يكفيه قطعا أو ظنا ( قوله : ويجعلوا ما فسروا به العاجز من الصورتين ) أي وهما ما إذا أعد من الماء ما يكفيه ظنا أو شكا فتبين أنه لا يكفيه ( قوله : ملحقا بغيرهما ) [ ص: 93 ] أي بغير العاجز والناسي وذلك الغير هو العامد حقيقة أو حكما وقوله ملحقا بغيرهما أي من جهة البناء ما لم يطل في كل ( قوله : إن فرق ناسيا ) أي والحال أنه قد حصل طول ( قوله : على ما لابن عبد الحكم ) هذا هو الأظهر والحاصل أنه على القول بأن الموالاة سنة من فرق ناسيا يبني على ما فعله ولا شيء عليه اتفاقا .

وأما إن فرق عامدا والحال أنه حصل طول ففيه قولان قيل يبني على ما فعله ولا يطالب بإعادة الوضوء وهو الأظهر وقيل يعيد الوضوء من أوله ، فإن بنى على ما فعل وصلى أعاد الوضوء والصلاة أبدا وهو المشهور ( قوله : من سننها ) أي الصلاة ( قوله : والثاني ) أي من القولين اللذين في ترك سنة الصلاة عمدا ( قوله : : خلاف في التشهير ) فقد شهر القول بالوجوب ابن ناجي في شرح المدونة وشهر القول بالسنية ابن رشد في المقدمات وهذا الخلاف معنوي إن راعينا قول ابن عبد الحكم على السنية ; لأن من فرق عمدا وطال لا يبني على القول بالوجوب ، فإن بنى وصلى أعاد الوضوء والصلاة أبدا ، وعلى القول بالسنية يبني ولا شيء عليه إما على المشهور وهو قول ابن القاسم فالخلاف لفظي ; لأن المفرق عمدا إذا طال تفريقه لا يبني ويعيد الوضوء والصلاة أبدا إذا بنى على كل من القول بالوجوب والسنية و ح جعل الخلاف معنويا وعج جعله لفظيا وقد علمت وجه كل من التقريرين .




الخدمات العلمية