الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ذكر نقول المالكية

            قال ابن الحاج في المدخل : شاطئ النهر لا يجوز لأحد البناء فيه للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر المحتاج إليها لقوله عليه الصلاة والسلام : " اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " رواه أبو داود في سننه ، وما ذاك إلا لأنها مرافق للمسلمين ، فمن جاء يرتفق بها يجد هناك نجاسة فيقول : لعن الله من فعل هذا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رؤوف رحيم فنهاهم أن يفعلوا ما يلعنون بسببه ، هذا وهو مما يذهب بالشمس والريح وغيرهما فكيف بالبناء على النهر المتخذ للدوام غالبا ، وقد قال ابن هبيرة في كتاب اتفاق الأئمة الأربعة واختلافهم : اتفقوا على أن الطريق لا يجوز تضييقها ، والبناء على النهر أكثر ضررا وأشد من تضييق الطريق ؛ لأن الطريق يمكن المرور فيها مع تضييقها بخلاف النهر ، فمن بنى عليه كان غاصبا له لأنه موردة للمسلمين ، فإذا جاء أحد يرد الماء فيحتاج أن يدور من ناحية بعيدة حتى يصل إليه وليس عليه ذلك ، فكان من أحوجه إلى ذلك غاصبا ، وقد قال - عليه السلام - : " من أخذ شبرا من أرض ظلما طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين " رواه البخاري ، ومسلم ، قال : وقد تقدم فيمن أرسل سجادة إلى المسجد قبل إتيانه فوضعت هناك ليحصل بها المكان أو كان فيها زيادة على [ ص: 163 ] ما يحتاج إليه أن ذلك كله غصب ، هذا وهو مما لا يدوم فكيف بالبناء على النهر ، قال : وقد قال علماؤنا : أن حريم العيون خمسمائة ذراع ، وحريم الأنهر ألف ذراع ، واختلفوا في حريم البئر فقيل خمس وعشرون ذراعا ، وقيل خمسون ، وقيل ثلاثمائة ، وقيل خمسمائة نقله الشيخ أبو الحسن اللخمي في تبصرته ، وابن يونس في كتابه ولم يحد مالك في ذلك حدا إلا ما يضر بالناس ، فعلى هذا ولو كان أكثر من ألف ذراع إذا أضر بهم يمنع ، ثم أفضى الأمر من أجل كثرة البناء عليه إلى أن امتنع على المسلمين أخذ الماء منه للشرب وغيره ، إلا مواضع قليلة ، ثم جرت هذه المفسدة إلى أن وصلت إلى عماد الدين وأصله وهو فساد الصلاة ؛ لأنه إذا صلى أحد في هذه الدار وقع فيها خلاف للعلماء في الصحة والفساد وهذا مشهور معروف ، ثم إن البناء على البحر لا بد وأن يفضل شيء من آلة العمارة غالبا أو ينهدم هناك شيء من الدور فيقع ذلك في البحر فتجيء المراكب وليس عندهم خبر فتمر على ذلك فتكسرها غالبا ، سيما إذا كانت الحجارة مبنية بارزة مع الزرابي الخارجة عن البيوت في داخل البحر ، ثم مع هذه الأذية يمنعون أصحاب المراكب من أن يلتصقوا إليها والموضع مباح ليس لأحد فيه اختصاص ، ثم إن المراكب قد تأتي في وقت هول البحر مع ثقلها بالوسق فيريد صاحبها أن يرسي في الموضع القريب منه ليسلم من آفات البحر فلا يجد لذلك سبيلا من كثرة الدور التي هناك فيمضي لسبيله حتى يجاوز الدور فقد يكون ذلك سببا لغرقه وذلك كله في ذمة الباني هناك ، قال : وقد نقل ابن رشد أن حكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على ثلاثة أوجه : بعيد من العمران ، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه ، وقريب منه في إحيائه ضرر ، فأما البعيد من العمران فلا يحتاج في عمرانه إلى استئذان الإمام إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن حبيب ، وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور في المذهب ، وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي يكون أخذ الشيء منها ضررا بالطريق وشبه ذلك ، فلا يجوز إحياؤه بحال ولا يبيح ذلك الإمام - هذا كله كلام ابن الحاج بحروفه ، ومسألة السجادة التي أشار إليها يأتي نقلها آخر الكتاب ، وقد راجعت التنبيهات للقاضي عياض ، والتبصرة للخمي ، واللباب في شرح ابن الجلاب ، والجواهر لابن شاس وغير ذلك من كتب المالكية فوجدتها متفقة على ما نقل ابن الحاج . ‏

            التالي السابق


            الخدمات العلمية