الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ( تنبيه ) ممن جزم بمقالة ابن الصلاح وابن رزين من المتأخرين ابن الملقن في شرحه الكبير ، والكمال الدميري ، ثم حكى عن الإسنوي تصحيح عدم الحنث ، ومن نقل عن الدميري والأذرعي أنهما قالا بعدم الحنث ، فقد غلط عليهما كما يعرف ذلك من راجع شرحيهما وله أدنى فهم .

            ( تنبيه ) أصل مسألة الجهل والنسيان التي تختص بالاستقبال مضطرب فيه غاية الاضطراب ؛ توقف فيها الأئمة الجلة ، حتى قال الصيمري : ما أفتيت في يمين الناسي قط ، وكذا قال أبو الفياض ، والماوردي قال : لأن استعمال التوقي أحوط من فرطات الأقلام ، وممن توقف في الترجيح فيها الرافعي في الشرح فإنه أرسل القولين ولم يرجح واحدا منهما ، وذكر النووي من زوائده أن الراجح عدم الحنث ، وصور في فتاويه المسألة بالاستقبال كما تقدم ، فحينئذ أصل هذه المسألة المبني عليها مضطرب فيه يتوقف فيه ، لا ترجيح فيه للرافعي في الشرح ، وإن رجح في المحرر ، وترجيح النووي فيه مقيد به كما أفصح به هو في فتاويه ، فلا يتعداه إلى غيره مع تصريحه هو والرافعي في عدة مسائل بما يقتضي الفرق بين المسألتين ، ومع تصريح خلائق من أئمة المذهب - منهم من هو في مرتبة الترجيح - بالفرق أيضا ، ثم رأيت في الخادم ما نصه : توقف الرافعي في الترجيح في مسألة الناسي وكذلك الموجود في غالب كتب الأصحاب إرسال القولين بلا ترجيح ، وتوقف في الإفتاء فيها القاضي أبو حامد وأبو الفياض البصري وأبو القاسم الصيمري والماوردي وكذلك ابن الرفعة في آخر عمره ، ورجحت طائفة الحنث ، منهم أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل والأعلام ، واختاره ابن عبد السلام في القواعد ، وبه قال الأئمة الثلاثة ؛ لأن اللفظ لم يغلب في عرف الاستعمال على حال الذكر ، وقال [ ص: 244 ] غيره : إنه الأرجح دليلا ، وأنه قول أكثر العلماء وأنه أثبت في المذهب ، فإن الطلاق من خطاب الوضع ؛ لأنه نصب سببا للتحريم ، وخطاب الوضع لا يشترط فيه علم المكلف وشعوره ، ولهذا لو خاطب زوجته بالطلاق جاهلا بأنها زوجته وقع ، فكذلك الناسي ، وأما حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " ، فهو محمول على نفي الإثم والمؤاخذة ، ولا عموم فيه من حيث إن الكلام إنما يصح فيه تقدير مضمر ، ولا عموم في المقدرات على ما تقرر في الأصول ، وذكر نحو هذا الكلام الشيخ بهاء الدين السبكي في تكملة شرح المنهاج لأبيه ، وزيادات والده أيضا ، كان يتوقف في الفتوى بها ، وإنما نقلت هذا كله لأبين لك أن مسألة الاستقبال متوقف فيها غاية التوقف ، فمن مصحح للحنث وناسبه للأكثرين ، ومن متوقف ، حتى الرافعي ، فكيف يلحق بها مسألة المضي من غير نقل صريح فيها عن المتقدمين أو المصححين ، مع التصريح منهم بالحنث فيها من غير تصريح بخلافه ، هذا ما لا يكون أبدا .

            ( تنبيه ) : قيل : قد تعقب في المهمات الموضع الأول في الروضة بأن الرجوع إلى الشهادة فيه نزاع ، ومخالف للمذكور في الصلاة أنه لا يرجع إلى أخبار الغير بل إلى تذكره . قلنا : هذا لنا لا علينا ، فإنه إذا حكم بالحنث عند الإخبار المتنازع في قبوله ، فعند تذكره هو أولى ، ومعولنا على الانكشاف والتبيين بطريق معتبر مقبول .

            ( تنبيه ) : إن قيل : حديث عمر في حلفه أن ابن صياد هو الدجال ، يدل على عدم الحنث مطلقا ؛ لأنه ليس فيه ما يدل أنه قصد أن ظنه كذلك ، فيكون عاما . قلت : لا دلالة فيه ، فإن ابن صياد لم يتبين أمره ، ولا حنث مع الشك ، والأخبار في كونه هو الدجال أو غيره متعارضة ، وقد قال النووي في شرح مسلم : قال العلماء : قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء ، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال ، وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشيء بل قال لعمر : " لا خير لك في قتله " . . . الحديث ، هذا كلام النووي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية