الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : حديث : " خيركم بعد المائتين الخفيف الحاذ " هل هو صحيح ، وقيل : إنه " الحال " باللام في آخره ، وقال آخر : إنه " الجاد " بالجيم والدال المهملة ، وقال آخر : إنه منسوخ بحديث : " تناكحوا تناسلوا " فهل ما قالوه صحيح أم لا ؟

            الجواب : هذا الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده من حديث حذيفة بن اليمان بلفظ : " خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ " قيل : يا رسول الله ومن خفيف الحاذ ؟ قال : من لا أهل له ولا مال . وفي إسناده داود بن الجراح ، قال فيه أحمد : لا بأس به ، إلا أنه حدث عن سفيان بمناكير ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال النسائي : روى غير حديث منكر ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، تغير حفظه ، قال الذهبي في الميزان : وهذا الحديث مما غلط فيه ; فإن أبا حاتم [ ص: 439 ] قال فيه : إنه منكر لا يشبه حديث الثقات ، قال : وإنما كان بدء هذا الخبر فيما ذكر لي أن رجلا جاء إلى رواد فذكر له هذا الحديث فاستحسنه وكتبه ، ثم حدث به بعد يظن أنه من سماعه . انتهى .

            وروى الترمذي من حديث أبي أمامة : " إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ، ذو حظ من الصلاة " ، وأما الحاذ فهو بالحاء المهملة والذال المعجمة الخفيفة ، ومن قال : إنه باللام أو بالجيم والدال المهملة ، فقد صحف ، قال ابن الأثير في النهاية في حرف الحاء المهملة في فصل حوذ : وأصل الحاذ طريقة المتن ، وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس ; أي خفيف الظهر من العيال ، والحاذ والحال واحد ، وكذا قال الديلمي في مسند الفردوس ، وزاد : ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لقلة ماله وعياله ، وفي الصحاح : حاذ متنه وحال متنه واحد ، وهو موضع اللبد من ظهر الفرس ، وفي الحديث : " مؤمن خفيف الحاذ " أي خفيف الظهر . انتهى .

            وأما من قال : إنه منسوخ ، فلم يصب ; لما تقرر في علم الأصول أن النسخ خاص بالطلب ولا يدخل الخبر ، وهذا خبر كما ترى ، ثم إنه لا منافاة بينه وبين حديث : " تناكحوا تناسلوا " حتى يحتاج إلى دعوى النسخ ; لأن الأمر بالنكاح ليس عاما لكل أحد ، بل بشروط مخصوصة ، كما تقرر في علم الفقه ، فيحمل هذا الحديث على من ليست فيه الشروط وخشي من النكاح التوريط في أمور يخشى منها على دينه بسبب طلب المعيشة ، وبذلك يحصل الجمع بين الحديثين ، ولا نسخ ، فدعوى النسخ في الخبر جهل بقواعد الأصول .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية