الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : في قوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم : " حياتي خير لكم وموتي خير لكم " فقد أشكل من جهة تنزيل المقصود منه على القواعد النحوية بناء على أن أفعل التفضيل يوصل بمن عند تجرده ، ووصله بها غير متأت بحسب الظاهر ؛ إذ يصير الكلام : حياتي خير لكم من مماتي ، ومماتي خير لكم من حياتي ، وهو مشكل .

            الجواب : إنما حصل الإشكال من ظن أن خيرا هنا أفعل تفضيل ، وليس كذلك ; فإن لفظة خير لها استعمالان : أحدهما أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية ، وضدها الشر ، وهي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء ، والثاني أن يراد بها معنى الأفضلية ، وهي التي توصل بمن ، وهذه أصلها أخير ، حذفت همزتها تخفيفا ، ويقابلها شر التي أصلها أشر ، قال في الصحاح : الخير ضد الشر ، قال الشاعر :

            فما كنانة في خير مخامرة ولا كنانة في شر بأشرار

            [ ص: 451 ] وتأنيث هذه خيرة وجمعها خيرات ، وهي الفاضلات من كل شيء ، قال تعالى : ( فيهن خيرات حسان ) ( وأولئك لهم الخيرات ) ، ولم يريدوا به معنى أفعل ، فلو أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ، ولم تقل : خيرة ، ولا تثنى ولا تجمع ; لأنه في معنى أفعل . انتهى كلام الصحاح . وقال الراغب في مفردات القرآن : الخير والشر يقالان على وجهين : أحدهما أن يكونا اسمين ، كقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الثاني أن يكونا وصفين ، وتقديرهما تقدير أفعل ، من نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله تعالى : ( نأت بخير منها ) ويحتمل الاسمية والوصفية معا قوله تعالى : [ ( وأن تصوموا خير لكم ) وقال أبو حيان في تفسيره الكبير ، في قوله تعالى : ] ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) ليس خير هنا أفعل تفضيل ، بل هي للتفضيل لا للأفضلية ، كما في قوله تعالى : ( أفمن يلقى في النار خير ) و ( خير مستقرا ) وفي قول حسان :


            فشركما لخيركما الفداء

            انتهى .

            إذا عرف ذلك ، فخير في الحديث من القسم الأول ، وهي يراد بها التفضيل لا الأفضلية ، فلا توصل بمن ، وليست بمعنى أفعل وإنما المقصود أن في كل من حياته ومماته صلى الله عليه وسلم خير ، لا أن هذا خير من هذا ، ولا أن هذا خير من هذا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية