الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            وأما المسألة الرابعة وهي مقر الأرواح ، فهي أجل هذه المسائل ، وأنا أستوفي لها إن شاء الله تعالى ما وقفت عليه في ذلك : روى مالك في " الموطأ " ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 208 ] قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " . هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، عن الشافعي ، عن مالك ، والنسائي ، وغيره .

            وأخرج أحمد ، والطبراني في " الكبير " بسند حسن ، عن أم هانئ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تكون النسم طيرا تعلق بالشجر ، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها .

            وأخرج مسلم وغيره ، من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا : أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش .

            وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، وغيرهم ، بسند صحيح ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أروحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش .

            وأخرج أحمد وعبد في مسنديهما ، و " الطبراني " بسند حسن ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس مرفوعا : الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء ، يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية .

            وأخرج البيهقي في " البعث " ، والطبراني بسند حسن ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم بشر بنت البراء ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ، إن لقيت كعبا فأقرئه مني السلام ، فقال لها : يغفر الله لك يا أم بشر ، نحن أشغل من ذلك ، فقالت : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ، ونسمة الكافر في سجين ؟ قال : بلى ، قالت : فهو ذاك .

            وقال الطبراني : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، ثنا عبد الله بن صالح ، عن ضمرة بن حبيب قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين ، فقال : في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، قالوا : يا رسول الله ، وأرواح الكفار ؟ قال : محبوسة في سجين . هذا حديث مرسل .

            وأخرج أحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه ، والبيهقي وابن أبي داود في كتابي البعث لهما ، وغيرهم من طرق ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولاد المؤمنين في جبل في الجنة ، يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة . صححه الحاكم .

            وأخرج البيهقي في " الدلائل " ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه في تفسيريهما ، [ ص: 209 ] وغيرهم من طريق أبي محمد الحماني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم ، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء ، فإن ذلك عجبه بالمعراج ، فصعدت أنا وجبريل ، فاستفتح باب السماء ، فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين ، فيقول : روح طيبة ونفس طيبة ، اجعلوها في عليين ، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة ، اجعلوها في سجين .

            وقال أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا أحمد بن إبراهيم الكيال ، ثنا موسى بن شعيب أبو عمران السمرقندي ، ثنا محمد بن سهيل ، ثنا أبو مقاتل السمرقندي ، ثنا أبو سهل هشام بن مصك ، عن الحسن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة .

            هذا ما وقفت عليه من الأحاديث المرفوعة ، وأما الموقوفة فقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن رجاء ، ثنا النضر بن شميل ، ثنا حماد بن سلمة ، ثنا علي بن يزيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب قال : أبغض بقعة في الأرض إلى الله واد يقال له : برهوت ، فيه أرواح الكفار .

            وأسند البيهقي في " البعث " ، وابن أبي الدنيا في " كتاب المنامات " ، عن سعيد بن المسيب ، أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا ، فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت ، فقال : أويلقى الأحياء الأموات ؟ فقال : نعم ، أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة ، وهي تذهب حيث شاءت .

            وأسند البيهقي ، والطبراني في " الكبير " ، عن عبد الله بن عمرو قال : الجنة مطوية في قرون الشمس تنشر في كل عام مرتين ، وأرواح المؤمنين في طير كالزرازير تأكل من شجر الجنة .

            وأسند المروزي في " الجنائز " ، عن العباس بن عبد المطلب قال : ترفع أرواح المؤمنين إلى جبريل ، فيقال : أنت ولي هذه إلى يوم القيامة .

            وأسند عن عبد الله بن عمرو قال : أرواح الكفار تجمع ببرهوت سبخة بحضرموت وأرواح المؤمنين تجتمع بالجابية .

            وأسند البيهقي ، عن ابن عباس ، عن كعب قال : جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء تسرح في الجنة ، وأرواح آل فرعون في طير سود تغدو على النار وتروح ، وإن أطفال المسلمين في عصافير الجنة .

            وأسند أبو نعيم في " الحلية " ، عن وهب بن منبه قال : إن لله في السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين ، فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب أهله [ ص: 210 ] إذا قدم عليهم .

            وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خداش : سمعت مالك بن أنس يقول : بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية