الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : وقع السؤال عن حديث : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة ، إلا مريض أو امرأة أو مسافر أو صبي أو مملوك " . رواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله ، فإن هذا الاستثناء من كلام تام موجب ، فيكون ما بعد " إلا " واجب النصب ، فما وجه رفعه؟ وخاض الناس في توجيه ذلك ، والذي عندي في الجواب أن هذه الكلمات الواقعة بعد " إلا " منصوبة ، ولكن كتبت بلا ألف ، وهذا ذكره الأئمة في أحاديث كثيرة . قال النووي في شرح مسلم في حديث ابن عباس في الإسراء " وأرى مالكا خازن النار " - : وقع في أكثر الأصول " مالك " بالرفع ، وهذا قد ينكر ويقال : هذا لحن لا يجوز في العربية ، ولكن عندي جواب حسن ، وهو أن لفظة " مالك " منصوبة ، ولكن أسقطت الألف في الكتابة ، وهذا يفعله المحدثون كثيرا ، فيكتبون : سمعت أنسا بغير ألف ويقرءونه بالنصب ، فكذلك " مالك " كتبوه بغير ألف ويقرءونه بالنصب ، فهذا -إن شاء الله -من أحسن ما يقال فيه ، هذا كلام النووي . وقال أيضا في باب الحج : " وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن " - هكذا وقع في أكثر النسخ " قرن " بغير ألف بعد النون ، وهو مصروف ; لأنه اسم لجبل ، ويقرأ منونا ، وإنما حذفوا الألف منه كما جرت عادة بعض [ ص: 348 ] المحدثين يكتبون سمعت أنس بغير ألف ويقرأ بالتنوين ، وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب النكاح في قول عائشة : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشر أوقية ونش : قوله : " ونش " هو معرب منون غير أنه وقع هنا نش على لغة من يقف على المنون بالسكون بغير ألف . وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود قوله : سمعت خلاس الهجري - كذا في أصلنا بغير ألف ، فقد يتوهم أنه غير مصروف ، وليس كذلك ، إذ لا مانع له من الصرف ، وهذا اصطلاح لبعضهم أنه يستغني عن كتابة الألف بجعل فتحتين فوق آخر الكلمة ، لكن قد يغفل الكاتب تلك الفتحتين فيقع في الإبهام . وقال أيضا في حديث عمرو بن ميمون : قدم علينا معاذ بن جبل اليمن ، فسمعت تكبيره مع الفجر رجل أجش الصوت -يجوز في قوله : " أجش الصوت " النصب على الحال والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقد ضبطناه في أصلنا بالوجهين ، قوله : أجش الصوت ، وأما قوله : رجل ، فهو مكتوب في أصلنا بغير ألف ، فإما أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا وكتبه بغير ألف ، وكثير من النساخ يفعل ذلك ، والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية