الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ، ثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ، حدثني أبي ، عن جدي قال : بلغني أن ناسا من الحرورية تجمعوا بناحية من الموصل ، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أعلمه ذلك ، فكتب إلي يأمرني ؛ أن أرسل إلي رجالا من أهل الجدل وأعطهم رهنا ، وخذ منهم رهنا ، واحملهم على مراكب من البريد إلي ، ففعلت ذلك ، فقدموا عليه [ ص: 310 ] فلم يدع لهم حجة إلا كسرها ، فقالوا : لسنا نجيبك حتى تكفر أهل بيتك وتلعنهم وتبرأ منهم ، فقال عمر : إن الله لم يجعلني لعانا ، ولكن إن أبقى أنا وأنتم فسوف أحملكم وإياهم على المحجة البيضاء ، فأبوا أن يقبلوا ذلك منه ، فقال لهم عمر : إنه لا يسعكم في دينكم إلا الصدق ، مذ كم دنتم لله بهذا الدين ؟ قالوا : مذ كذا وكذا سنة ، قال : فهل لعنتم فرعون وتبرأتم منه ؟ قالوا : لا ، قال : فكيف وسعكم تركه ولا يسعني ترك أهل بيتي ، وقد كان فيهم المحسن والمسيء ، والمصيب والمخطئ ؟ قالوا : قد بلغنا ما هاهنا ، فكتب إلي عمر أن خذ من في أيديهم من رهنك ، وخل من في يدك من رهنهم ، وإن كان رأى القوم أن يسيحوا في البلاد على غير فساد على أهل الذمة ، ولا تناول أحد من الأئمة ، فليذهبوا حيث شاءوا ، وإن هم تناولوا أحدا من المسلمين وأهل الذمة فحاكمهم إلى الله . وكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العصابة الذين خرجوا ، أما بعد ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، فإن الله تعالى يقول : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) إلى قوله : ( وهو أعلم بالمهتدين ) وإني أذكركم الله أن تفعلوا كفعل كبرائكم : ( كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ) أفبذنبي تخرجون من دينكم ، وتسفكون الدماء ، وتنتهكون المحارم ؟ فلو كانت ذنوب أبي بكر وعمر مخرجة رعيتهم من دينهم - إن كانت لهما ذنوب - فقد كانت آباؤكم في جماعتهم فلم ينزعوا ، فما سرعتكم على المسلمين وأنتم بضعة وأربعون رجلا ؟ وإني أقسم لكم بالله لو كنتم أبكاري من ولدي ، فوليتم عما أدعوكم إليه من الحق لدفقت دماءكم ، ألتمس بذلك وجه الله والدار الآخرة ، فهذا النصح فإن استغششتموني فقديما ما استغش الناصحون ، فأبوا إلا القتال ، وحلقوا رءوسهم ، وساروا إلى يحيى بن يحيى ، فأتاهم كتاب عمر ويحيى مواقفهم للقتال : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى يحيى بن يحيى ، أما بعد ، فإني ذكرت آية من كتاب الله : ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . وإن من العدوان قتل النساء والصبيان ، فلا تقتلن امرأة [ ص: 311 ] ولا صبيا ، ولا تقتلن أسيرا ، ولا تطلبن هاربا ، ولا تجهزن على جريح ، إن شاء الله ، والسلام .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية