الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن الليث ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثني شيخ من بني سليم ، أن عمر بن عبد العزيز كان [ ص: 313 ] عنده هشام بن مصاد ، فكانا يتحدثان ، فذكر شيئا فبكى ، فأتاه مولاه مزاحم فقال : إن محمد بن كعب القرظي بالباب ، فقال : أدخله ، فدخل ولم يمسح عينيه من الدموع ، فقال محمد : ما أبكاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال هشام بن مصاد : أبكاه كذا وكذا ، فقال محمد بن كعب : يا أمير المؤمنين ، إنما الدنيا سوق من الأسواق ، منها خرج الناس بما نفعهم ، ومنها خرجوا بما ضرهم ، فكم من قوم قد غرهم منها مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم ، فخرجوا منها ملومين ، لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة ، ولا لما كرهوا جنة ، واقتسم ما جمعوا من لا يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن محقوقون يا أمير المؤمنين أن ننظر إلى تلك الأعمال التي [ نغبطهم بها ، فنخلفهم فيها ، وننظر إلى تلك الأعمال التي ] نتخوف عليهم منها ، فنكف عنها ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، واجعل قلبك من اثنتين : انظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك ، وانظر الأمر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك ، فابتغ به البدل حيث يوجد البدل ، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، فافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصر المظلوم ، ورد الظالم ، ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله : من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل ، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو سلمة ، ثنا سلام - يعني ابن أبي مطيع - قال : نبئت أن عمر بن عبد العزيز لما قام هاجت ريح ، فدخل عليه رجل فإذا هو منتقع اللون ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ما لك ؟ قال : ويحك ، وهل هلكت أمة قط إلا بالريح .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا خلف بن الوليد ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عتبة بن تميم ، وغيره ، أن عمر بن عبد العزيز كان يقول : وايم الله ، لو أني أعلم أنه يسوغ لي فيما بيني وبين الله أن أخليكم [ ص: 314 ] وأمركم هذا وألحق بأهلي لفعلت ، ولكني أخاف أن لا يسوغ ذلك لي فيما بيني وبين الله .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الوليد ، عن الأوزاعي قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز دخل عليه أخ له ، فقال : إن شئت كلمتك [ وأنت عمر فيما تكره اليوم وتحب غدا ، وإن شئت كلمتك ] وأنت أمير المؤمنين فيما تحبه اليوم وتكرهه غدا ؟ قال : بلى كلمني وأنا عمر فيما أكرهه اليوم وأحبه غدا .

              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا أبو حفص البخاري ، عن محمد بن عبد الله بن علاثة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز في مسجد داره ، وكنت له ناصحا ، وكان مني مستمعا ، فقال : يا إبراهيم بلغني أن موسى عليه السلام قال : إلهي ما الذي يخلصني من عقابك ، ويبلغني رضوانك ، وينجيني من سخطك ؟ قال : الاستغفار باللسان ، والندم بالقلب ، قال : قلت : والترك بالجوارح .

              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال : قال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله حسن ، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا سلم بن يحيى ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا أبو عمرو الأوزاعي ، أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه : كيف أنتم إذا أنا وليت كل رجل منكم جندا ؟ فقال ابنه ابن الحارثية : لم تعرض علينا أمرا لا تريد أن تفعله ؟ قال : أترون بساطي هذا ؟ إنه لصائر إلى بلى ، وإني لأكره أن تدنسوه بخفافكم ، فكيف أرضى لنفسي أن تدنسوا علي ديني ؟ .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا عبد الله بن سعيد [ ص: 315 ] الكندي قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن أبي عبيد حاجب سليمان ، عن نعيم بن سلامة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز ، فوجدته يأكل ثوما مسلوقا بزيت وملح .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله ، ثنا عباس بن الوليد ، ح .

              وثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن العباس بن الوليد ، حدثني أبي ، ثنا الأوزاعي قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا عرض له أمر مما يكره قال : بقدر ما كان ، وعسى أن يكون خيرا .

              حدثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، ثنا محمود بن خليد ، ثنا الوليد ، عن أبي عمرو ، أن محمد بن عبد الملك بن مروان سأل فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر : ما ترين بدو مرض عمر الذي مات فيه ؟ فقالت : أرى جل ذلك أو بدوه الخوف .

              حدثنا سليمان بن أحمد قال : ثنا هاشم بن مرثد ، ثنا صفوان بن صالح ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، أن عمر بن عبد العزيز قال : خذوا من الرأي ما قاله من كان قبلكم ، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم ، [ فإنهم كانوا خيرا منكم وأعلم ] .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن عبد الباقي ، ثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، أن أبا مسلم لما خرج في بعث المسلمين رده عمر بن عبد العزيز من دابق ، وقال : ليس بمثله يستعين المسلمون في قتال عدوهم ، وكان عطاؤه ألفين ، فرده إلى ثلاثين ، فرجع من دابق إلى طرابلس ؛ لأنه كان سيافا للحجاج ، وكان ثقفيا .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن عبد الباقي ، ثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي قال : كان عمر بن عبد العزيز يجعل كل يوم من ماله درهما في طعام المسلمين ، ثم يأكل معهم وكان ينزل بأهل الذمة ، فيقدمون له من الحلبة المنبوتة والبقول وأشباه ذلك مما كانوا يصنعون من طعامهم ، فيعطيهم أكثر من ذلك ويأكل معهم ، فإن أبوا أن يقبلوا ذلك منه [ ص: 316 ] لم يأكل منه ، فأما من المسلمين فلم يكن يقبل شيئا .

              حدثنا محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى البابلتي ، ثنا الأوزاعي ، ثنا موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز وفي صدري حديث يتجلجل فيه أريد أن أقذفه إليه ، فقلت له : بلغنا أنه من ولي على الناس سلطانا فاحتجب عن فاقتهم وحاجتهم ، احتجب الله عن فاقته وحاجته يوم يلقاه ، قال : فقال : ما تقول ؟ ثم أطرق طويلا ، قال : فعرفتها فيه فإنه برز للناس .

              حدثنا محمد بن معمر ، وسليمان بن أحمد قالا : ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله ، ثنا الأوزاعي قال : كتب عمر إلى عماله : اجتنبوا الاشتغال عند حضرة الصلاة ، فمن أضاعها فهو لما سواها من شعائر الإسلام أشد تضييعا .

              أخبرنا أحمد بن محمد في كتابه ، قال : ثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا أحمد بن أبي بكر المقدسي ، ثنا بشر بن حازم ، عن أبي عمران قال : قال عمر بن عبد العزيز : من قرب الموت من قلبه استكثر ما في يديه .

              حدثنا محمد بن أحمد المؤذن ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنبأنا سعيد ، أن عمر بن عبد العزيز كان إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله .

              حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا أبو الحسن ، ثنا أبو بكر ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الله قال : سمعت القداح يذكر أن عمر بن عبد العزيز ، كان إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير ، وبكى حتى تجري دموعه على لحيته .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا سفيان بن وكيع ، ثنا ابن عيينة ، عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لولا أن تكون بدعة لحلفت أن لا أفرح من الدنيا بشيء أبدا حتى أعلم ما في وجوه رسل ربي إلي عند الموت ، وما أحب أن يهون علي الموت ؛ لأنه آخر ما يؤجر عليه المؤمن .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا إسحاق بن الأخيل ، [ ص: 317 ] ثنا أحمد بن علي النميري ، عن الأوزاعي قال : قال عمر بن عبد العزيز : ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المسلم .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا الوليد بن مسلم بمكة ، عن الأوزاعي ، عن عمر بن عبد العزيز قال : ما أحب أن تهون علي سكرات الموت ؛ لأنها آخر ما يكفر به عن المسلم .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن ميمون الخطابي قال : ثنا الحسن - يعني أبا المليح - عن ميمون بن مهران قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) فقال لي : يا ميمون ، ما أرى القبر إلا زيارة ، ولا بد للزائر أن يرجع إلى منزله - يعني إلى الجنة أو النار .

              حدثنا أبي ومحمد قالا : ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال : حدثني عمر بن أبي الحارث ، ثنا محمد بن حميد ، ثنا حكام ، ثنا الحسن بن عميرة قال : اشترى عمر بن عبد العزيز جارية أعجمية ، فقالت : أرى الناس فرحين ولا أرى هذا يفرح ؟ فقال : ما تقول يا لكع ؟ فقيل : إنها تقول كذا وكذا ، فقال : ويحها ، حدثوها أن الفرح أمامها .

              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يعقوب بن محمد الزهري ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه قال : قال عمر بن عبد العزيز : عظني يا أبا حازم ، قال : قلت : اضطجع ، ثم اجعل الموت عند رأسك ، ثم انظر ما تحب أن تكون فيه تلك الساعة فخذ فيه الآن ، وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن .

              حدثنا محمد ، ثنا أبو الحسن ، ثنا أبو بكر ، ثنا محمد ، ثنا داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن زيد قال : كتب الحسن إلى عمر : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإن طول البقاء إلى فناء ما هو ، فخذ من فنائك الذي لا يبقى لبقائك الذي لا يفنى ، والسلام . فلما قرأ عمر الكتاب بكى وقال : نصح أبو سعيد وأوجز .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية