الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى ، ثنا سعيد بن العباس ، ثنا أبي قال : سمعت حاتما الأصم يقول : قال شقيق : ما من يوم إلا ويستخبر إبليس خبر كل آدمي سبع مرات ، فإذا سمع خبر عبد تاب إلى الله عز وجل من ذنوبه صاح صيحة تجتمع إليه ذريته كلهم من المشرق والمغرب ، فيقولون له : ما لك يا سيدنا ؟ فيقول : قد تاب فلان بن فلان فما الحيلة في فساده ؟ ويقول لهم : هل من قرابته أو من أصدقائه أو من جيرانه معكم أحد ؟ فيقول [ ص: 65 ] بعضهم لبعض : نعم ، وهو من شياطين الإنس فيقول لأحدهم : اذهب إلى قرابته وقل له : ما أشد ما أخذت فيه ، قال : وإن لإبليس خمسة أبواب ، فتقول له قرابته : إنك أخذت بالشدة فإن أخذ بقوله رجع فهلك وإلا هلك الآخر ، ويقول له الآخر من قرابته : هذا الذي أخذت فيه لا يتم ، فإن أخذ بقوله رجع وهلك وإلا هلك الآخر ، ويقول له الثالث : كما أنت حتى تفني ما في يديك من الحطام ، فإن أخذ بقوله رجع وهلك وإلا هلك الآخر ، فيأتيه الرابع فيقول له : تركت العمل فلا تعمل وأنت ليلك ونهارك في راحة لا تعمل ، فيقول له الخامس : جزاك الله خيرا تبت وأخذت في عمل الآخرة ، ومن مثلك والحق في يدك ، فإذا أجابهم فقال : إنك أخذت بالشدة ، يرد عليه ويقول : إني كنت قبل اليوم في شدة فأما اليوم ففي راحة حيث أردت أن أرضي ربي وأرضي الناس ، فمتى أرضيت ربي أسخطت الناس ومتى ما أرضيت الناس أسخطت ربي ، فأخذت اليوم في رضاء ربي الواحد القهار وتركت الناس ، فصرت اليوم حرا ، وهونت علي أمري حيث أعبد ربي وحده لا شريك له ، فإذا قال : إنك لا تتمه ، فقل : إنما الإتمام على الله عز وجل ، وعلي أن أدخل في العمل وتمامه على الله تعالى ، فإذا قال : كما أنت حتى تفني ما في يديك من الحطام ، فقل له : ففيم تخوفني وقد استيقنت أن كل شيء ليس بقولي فإني لا أقدر عليه وما كان لي ، فلو دخلت في الأرض السابعة لدخل علي ، إذ فرغت نفسي واشتغلت بعبادة ربي ، ففيم تخوفني ؟ فإذا قال : إنك لم تعمل وصرت بلا عمل ، فقل : إني في عمل شديد ، قد استبان لي عدو في قلبي ولن يرضى علي ربي إلا أن ينكسر هذا العدو الذي في قلبي ، وأكون ناصرا عليه في كل ما ألقى في قلبي ، فأي عمل أشد من هذا ؟ فإذا أجبته بهذا واستقمت على طاعة الله تعالى يجيء إليك من قبل العجب بنفسك فيقول لك : من مثلك جزاك الله خيرا وعافاك ؟ فيريد أن يوقع في قلبك العجب فقل له : إذا استبان لك أن الحق هذا والصواب في هذا العمل ، فما يمنعك أن تأخذ فيه إلى أن يأتيك الموت ؟ فإذا أجبتهم بهذا تفرقوا عنك ولا يكون لهم عليك سبيل فيأتون إبليس ، فيخبرونه فيقول لهم إبليس : إنه [ ص: 66 ] قد أصاب الطريق والهدى فليس لكم عليه سبيل ، ولكن لا يرضى بهذا حتى يدعو الناس إلى عبادة الله عز وجل ، فامنعوا الناس عنه ، وقولوا لهم : إنه لا يحسن شيئا فلا تختلفوا إليه .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى بن ماهان ، ثنا سعيد بن العباس الرازي الصوفي ، ثنا أبي قال : سمعت حاتما الأصم يقول : قال شقيق بن إبراهيم : " استتمام صلاح عمل العبد بست خصال : تضرع دائم وخوف من وعيده ، والثاني حسن ظنه بالمسلمين ، والثالث اشتغاله بعيبه لا يتفرغ لعيوب الناس ، والرابع يستر على أخيه عيبه ولا يفشي في الناس عيبه رجاء رجوعه عن المعصية ، واستصلاح ما أفسده من قبل ، والخامس ما اطلع عليه من خسة عملها استعظمها رجاء أن يرغب في الاستزادة منها ، والسادسة أن يكون صاحبه عنده مصيبا " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية