الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال : وسمعت فضيلا يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد ويبكي ويردد هذه الآية : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) وجعل يقول : ونبلو أخباركم ، ويردد : وتبلو أخبارنا ! إن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا ، إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا ، ويبكي " .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا العباس بن محمد ، ثنا الحجاج بن حمزة ، حدثني محمد بن [ ص: 112 ] علي ، قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : " العلم دواء الدين ، والمال داء الدين ، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه كيف يصلح غيره " .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم ، قالا : ثنا أحمد بن علي ، ثنا عبد الصمد بن يزيد مردويه ، قال : سمعت الفضيل بن عياض ، يقول : " إنما سمي الصديق لتصدقه ، وإنما سمي الرفيق لترفقه ليس في السفر وحده ، بل في السفر والحضر ، قلنا : يا أبا علي فسر لنا هذا ، قال : أما الصديق فإذا رأيت منه أمرا تكرهه فعظه ولا تدعه يتهور ، وأما الرفيق فإن كنت أعقل منه فارفقه بعقلك ، وإن كنت أحلم منه فارفقه بحلمك ، وإن كنت أعلم منه فارفقه بعلمك ، وإن كنت أغنى منه فارفقه بمالك " .

              حدثنا عبد الصمد بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم ، قالا : ثنا أحمد بن علي ، ثنا عبد الصمد قال : سمعت الفضيل يقول : " إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا ، فقل : يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل ، قل : فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإن باب العفو أوسع فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور " .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أبو يعلى ، ثنا عبد الصمد ، قال : سمعت الفضيل يقول : " صبر قليل ونعيم طويل ، وعجلة قليلة ، وندامة طويلة رحم الله عبدا أخمد ذكره وبكى على خطيئته قبل أن يرتهن بعمله " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا جعفر بن أحمد بن فارس ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا مليح بن وكيع ، قال : سمعتهم يقولون : خرجنا من مكة في طلب فضيل بن عياض إلى رأس الجبل فقرأنا القرآن فإذا هو قد خرج علينا من شعب لم نره ، فقال لنا : أخرجتموني من منزلي ومنعتموني الصلاة والطواف ، أما إنكم لو أطعتم الله ثم شئتم أن تزول الجبال معكم زالت ثم دق الجبل بيده فرأينا الجبال أو الجبل اهتزت وتحركت " .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إبراهيم بن محمد بن علي الرازي ، ثنا أحمد [ ص: 113 ] بن الحسين بن عباد ، ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله الحذاء ، قال : سمعت فضيل بن عياض ، يقول : " حيثما كنت فكن ذنبا ، ولا تكن رأسا فإن الرأس تهلك والذنب ينجو " .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إبراهيم بن سفيان ، ثنا عامر بن عامر ، عن الحسن بن علي العابد ، قال : قال فضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال : فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ ، فقال الرجل : يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال له الفضيل : تعلم ما تقول ، قال الرجل : قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال الفضيل تعلم ما تفسيره ؟ قال الرجل : فسره لنا يا أبا علي ، قال : قولك إنا لله ، تقول : أنا لله عبد ، وأنا إلى الله راجع ، فمن علم أنه عبد الله ، وأنه إليه راجع ، فليعلم بأنه موقوف ، ومن علم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا ، فقال الرجل : فما الحيلة قال : يسيرة ، قال : ما هي ؟ قال : تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى وما بقي ، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي " .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إسحاق بن أبي إحسان ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، شقال : سمعت أبا عبد الله الساجي يقول : سأل رجل فضيل بن عياض ، فقال : يا أبا علي متى يبلغ الرجل غايته من حب الله تعالى ؟ فقال له الفضيل : " إذا كان عطاؤه ومنعه إياك عندك سواء فقد بلغت الغاية من حبه " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن علي الرازي ، ثنا النضر بن سلمة ، ثنا دهرم بن الحارث ، عن فضيل بن عياض ، قال : " قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألتها أن تدعو الله بدعاء ، فقالت شعوانة : يا فضيل أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب ؟ قال : فشهق الفضيل شهقة فخر مغشيا عليه ، قال : وقال الفضيل : " أعزنا بعز الطاعة ولا تذلنا بذل المعصية " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو يعلى ، ثنا عبد الصمد بن يزيد ، قال : سمعت فضيل بن عياض يقول : " ليس من عبد إلا وفيه ثلاث خصال أما اثنتان يسترهما ، وأما الثالثة فلا يقوى ، قيل : كيف ذاك يا أبا علي ؟ قال : يظهر الرجل حسن [ ص: 114 ] الخلق في الخيرات ، وليس بحسن الخلق ويظهر السخاء وليس بسخي ، ولكن الثالثة عقل الرجل عند المحاورة إن كان له عقل عرفته لا يقدر يتصنع " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا عبد الله بن هلال الرومي ببيروت ، ثنا أحمد بن عاصم قال : التقى سفيان الثوري ، وفضيل بن عياض ، " فتذاكرا فبكيا ، فقال سفيان : إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة ، فقال الفضيل : نرجو لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه علينا شؤما ، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت لي به وتزينت لك به فعبدتني وعبدتك ؟ قال : فبكى سفيان حتى علا نحيبه ، ثم قال : أحييتني أحياك الله " .

              حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا الفضيل بن عياض ، يقول : " ما حليت الجنة لأمة ما حليت لهذه الأمة ثم لا ترى لها عاشقا " قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : كلام الفضيل ومواعظه تكثر اقتصرنا منها على ما أملينا نفعنا الله وإياكم بها ، كذلك له من المسانيد .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية