الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أحمد بن أبي عمران قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا عمران موسى يقول : سمعت عمر البسطامي يقول : سمعت أبي يقول : قال أبو يزيد : " انظر أن يأتي عليك ساعة لا ترى في السماء غيره ولا في الأرض غيرك ، وقال : إن الصادق من الزاهدين إذا رأيته هبته وإذا فارقته هان عليك أمره ، والعارف إذا رأيته هبته وإذا فارقته هبته ، قال : وسمعت أبا يزيد يقول : لأن يقال لي : لم لا تفعل ؟ أحب إلي من أن يقال لي : لم فعلت ؟ وقال : الذي يمشي على الماء ليس بعجب ، لله خلق كثير يمشون على الماء ليس لهم عند الله قيمة ، وقال : الجوع سحاب ، فإذا جاع العبد مطر القلب الحكمة ، وسئل عن قوله : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ ص: 40 ] قال : ( إنا لله ) إقرار لله بالملك ( وإنا إليه راجعون ) إقرار على اليقين بالملك " .

              سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا عمران يقول : سمعت عمر البسطامي يقول : سمعت أبا يزيد يقول : " من لم ينظر إلى شاهد بعين الاضطرار ، وإلى أوقاتي بعين الاغترار ، وإلى أحوالي بعين الاستدراج ، وإلى كلامي بعين الافتراء ، وإلى عباراتي بعين الاجتراء ، وإلى نفسي بعين الازدراء ، فقد أخطأ النظر في " .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا موسى بن عيسى يقول : سمعت عمر يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا يزيد يقول : " لو صفت لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء " .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت منصورا يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : سمعت علي بن عبيد السهمداني يقول : كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد : سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته ، فكتب أبو يزيد في جوابه سكرت وما شربت من الدرر ، وغيري قد شرب بحور السماوات والأرض وما روي بعد ، ولسانه مطروح من العطش ، ويقول : هل من مزيد " .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت علي بن عبد الله يقول : سمعت تيمورا البسطامي يقول : سمعت موسى بن عيسى يقول : قال أبي : قال أبو يزيد : " لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة ؟ وقال : إذا وقفت بين يدي الله ، فاجعل نفسك كأنك مجوسي تريد أن تقطع الزنار بين يديه ، قال : وحكى عمي عن أبيه ، أنه اجتمع عليه الناس فقال : يا رب كنت سألتك ألا تحجبهم بك عنك ، فحجبتهم بي عنك . وحكي عنه أنه قال : نوديت في سري فقيل لي : خزائننا مملوءة من الخدمة ، فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار " .

              سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الحلواني بطرتيب يقول : سمعت يعقوب بن إسحاق الهروي يقول : سمعت إبراهيم الهروي وذكر عن أبي يزيد قال : " أولياء الله مخدرون معه في حجال الأنس له ، لا يراهم أحد في [ ص: 41 ] الدنيا والآخرة إلا من كان محرما لهم ، وأما غيرهم فلا إلا منتقبين من وراء حجبهم ، قال : وقرئ عند أبي يزيد يوما : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : فهاج ، ثم قال : من كان عنده فلا يحتاج أن يحشر لأنه جليسه أبدا . وقيل لأبي يزيد : أيصل العبد إليه في ساعة واحدة ؟ قال : نعم ولكن يرد بالفائدة والربح على قدر السفر " .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : اقتصرنا على هذا القدر من كلامه لما فيه من الإشارات العميقة التي لا يصل إلى الوقوف على مودعها إلا من غاص في بحره ، وشرب من صافي أمواج صدره ، وفهم نافثات سره المتولدة المنتشرة من سكره .

              فأما الرواية عنه فغير محفوظة غير أني رأيت من ورائه شيخا واعظا لقيته ببغداد وبالبصرة يعرف بأبي الفتح بن الحمصي أحمد بن الحسين بن محمد بن سهل ، فذكر أن علي بن جعفر البغدادي حدثهم .

              قال : قال أبو موسى الدؤلي : ثنا أبو يزيد البسطامي ، ثنا أبو عبد الرحمن السدي ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ، وأن تحمدهم على رزق الله ، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله ، إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص ، ولا يرده كره كاره ، وإن الله تعالى بحكمته وجلاله جعل الفرج والروح في الرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط " .

              قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : وهذا الحديث مما ركب على أبي يزيد والحمل فيه على شيخنا أبي الفتح فقد عثر منه على غير حديث ركبه ، وحدثنا بهذا الحديث القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن الحسين بن حفص ، ثنا علي بن محمد بن مروان وهو السدي ، ثنا أبي ، ثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من ضعف اليقين " فذكر مثله ، قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : أما شموس أهل المشرق وأعلامهم فقد عنى بذكرهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري في كتابه المترجم [ ص: 42 ] بطبقات الصوفية ، وأحببت إيداع أسماء جماعة من مشهوريهم كتابي على الاختصار دون الإكثار .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية