الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ رحمه الله : كان - رضي الله تعالى عنه - للدين معلنا ، ولأعمال البر مبطنا ، وقد قيل : إن التصوف الوصول بما علن إلى ظهور ما بطن .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن عبد الله بن المؤمل ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : [ ص: 40 ] قال عمر بن الخطاب : كان أول إسلامي أن ضرب أختي المخاض ، فأخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قارة ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل الحجر وعليه نعلاه ، فصلى ما شاء الله ثم انصرف ، قال : فسمعت شيئا لم أسمع مثله . قال : فخرجت فاتبعته ، فقال : من هذا ؟ قلت : عمر ، قال : " يا عمر ما تتركني ليلا ولا نهارا ؟ " فخشيت أن يدعو علي فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله . قال : فقال : " يا عمر استره " . قال : فقلت : والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبد الحميد بن صالح ، ثنا محمد بن أبان ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : سألت عمر - رضي الله تعالى عنه - لأي شيء سميت الفاروق ؟ قال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ، ثم شرح الله صدري للإسلام ، فقلت : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت أختي : هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا ، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت ، فضربت الباب فاستجمع القوم ، فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر ، قال : فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره ، فما تمالك أن وقع على ركبته ، فقال : ما أنت بمنته يا عمر ؟ قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال : فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، قال : فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم " ، قال : فقلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما ، وأنا في الآخر ، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد ، قال : فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الفاروق . وفرق الله به بين الحق والباطل .

              حدثنا أبو بكر الطلحي ، ثنا أبو حصين القاضي الوادعي ، ثنا يحيى بن [ ص: 41 ] عبد الحميد ، ثنا حصين بن عمر ، ثنا مخارق ، عن طارق ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال : لقد رأيتني وما أسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تسعة وثلاثون رجلا ، وكنت رابع أربعين رجلا ، فأظهر الله دينه ، ونصر نبيه ، وأعز الإسلام .

              قال يحيى : وحدثني أبي ، عن عمه عبد الرحمن بن صفوان ، عن طارق ، عن عمر - رضي الله تعالى عنه - مثله .

              حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا علي بن ميمون العطار ، والحسن البزاز ، قالا : ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، ثنا أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال لنا عمر - رضي الله تعالى عنه - : أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي ، قلنا : نعم ، قال : كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار عند الصفا فجلست بين يديه ، فأخذ بمجمع قميصي ثم قال : " أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده " ، قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله ، قال : فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرقمكة ، قال : وقد كانوا مستخفين ، وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم ، فجئت إلى خالي فأعلمته ، فدخل البيت وأجاف الباب . قال : وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته ، ودخل البيت ، فقلت في نفسي : ما هذا بشيء ، الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد . فقال رجل : أتحب أن يعلم بإسلامك ، قلت : نعم ، قال : إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانا وقل له : صبوت ، فإنه قل ما يكتم سرا ، فجئته ، فقلت : تعلم أني قد صبوت ؟ ، فنادى بأعلى صوته : إن ابن الخطاب قد صبأ ، فما زالوا يضربونني وأضربهم ، فقال خالي : يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد ، فانكشفوا عني ، فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته ، فقلت : الناس يضربون ولا أضرب ، فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي ، قال : فقلت : تسمع ؟ قال : ما أسمع ؟ قلت : جوارك رد عليك ، قال : لا تفعل ، قال : فأبيت ، قال : فما شئت ، فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام .

              قال الشيخ رحمه الله : كان - رضي الله تعالى عنه - مخصصا بالسكينة في [ ص: 42 ] الإنطاق ، ومحرزا من القطيعة والفراق ، ومشهرا في الأحكام بالإصابة والوفاق ، وقد قيل : إن التصوف الموافقة للحق ، والمفارقة للخلق .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية