الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              وكان - رضوان الله عليه وسلامه - على الأوراد مواظبا ، وللأزواد مناحبا .

              وقد قيل : إن التصوف الرغبة إلى المحبوب في درك المطلوب .

              حدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، عن ملحان ، ثنا يحيى بن بكير ، حدثني الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن شبث بن ربعي ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فقال علي لفاطمة : ائتي أباك فسليه خادما تقي به العمل ، فأتت أباها حين أمست ، فقال لها : ما لك يا بنية ، قالت : لا شيء ، جئت لأسلم عليك - واستحيت أن تسأل شيئا - فلما رجعت قال لها علي : ما فعلت ؟ قالت : لم أسأله شيئا ، واستحييت منه . حتى إذا كانت الليلة القابلة قال لها : ائتي أباك فسليه خادما تتقين به العمل ، فأتت أباها فاستحيت أن تسأله شيئا ، حتى إذا كانت الليلة الثالثة مساء خرجنا جميعنا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أتى بكما ؟ فقال علي : يا رسول الله ، شق علينا العمل ، فأردنا أن تعطينا خادما نتقي به العمل ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أدلكما على خير لكما من حمر النعم ؟ قال علي : يا رسول الله نعم ، قال : تكبيرات وتسبيحات وتحميدات مائة حين تريدان أن تناما ، فتبيتا على ألف حسنة ، ومثلها حين تصبحان فتقومان على ألف حسنة ، فقال علي : فما فاتتني منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة صفين ، فإني نسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها .

              حدثنا محمد بن [ ص: 70 ] جعفر بن الهيثم ، ثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حوشب ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن علي قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع رجليه بيني وبين فاطمة ، فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا : ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، وثلاثا وثلاثين تحميدة ، وأربعا وثلاثين تكبيرة ، قال علي : فما تركتها بعد ، فقال له رجل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين . رواه الحكم ومجاهد عن ابن أبي ليلى نحوه .

              حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا العباس بن الوليد ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا الجريري ، عن أبي الورد ، عن ابن أعبد قال : قال لي علي : يا ابن أعبد ، هل تدري ما حق الطعام ؟ قال : وما حقه يا ابن أبي طالب ؟ قال : تقول : بسم الله ، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ، ثم قال : أتدري ما شكره إذا فرغت ؟ قلت : وما شكره ؟ قال : تقول : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا . ثم قال : ألا أخبرك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كانت أكرم أهله عليه ، وكانت زوجتي ، فجرت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها ، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها ، فأصابها من ذلك ضر ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي - أو خدم - فقلت لها : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه خادما يقيك ضر ما أنت فيه ، فذكر نحو حديث شبث بن ربعي عن علي .

              وكان عليه السلام إذا لزمه في العيش الضيق والجهد ، أعرض عن الخلق ، فأقبل على الكسب والكد .

              وقد قيل : إن التصوف الارتقاء في الأسباب إلى المقدرات من الأبواب .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية