الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) وفيه سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : أين المستدرك بقوله تعالى : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : هو محذوف لدلالة ( ستذكرونهن ) عليه، تقديره : ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) فاذكروهن ( ولكن لا تواعدوهن ) .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : ما معنى السر؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن السر ضد الجهر والإعلان، فيحتمل أن يكون السر هاهنا صفة المواعدة على شيء، ولا تواعدوهن مواعدة سرية ، ويحتمل أن يكون صفة للموعود به على معنى : ولا تواعدوهن بالشيء الذي يكون موصوفا بوصف كونه سرا، أما على التقدير الأول - وهو أظهر التقديرين - فالمواقعة بين الرجل وبين المرأة على وجه السر لا تنفك ظاهرا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات، وهاهنا احتمالات :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يواعدها في السر بالنكاح فيكون المعنى أن أول الآية إذن في التعريض بالخطبة ، وآخر الآية منع عن التصريح بالخطبة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يواعدها بذكر الجماع والرفث؛ لأن ذكر ذلك بين الأجنبي والأجنبية غير جائز، قال تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلا تخضعن بالقول ) [الأحزاب : 32] أي : لا تقلن من أمر الرفث شيئا ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) [الأحزاب : 32] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال الحسن : ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) بالزنا ، طعن القاضي في هذا الوجه وقال : إن المواعدة محرمة بالإطلاق ، فحمل الكلام على ما يخص به الخاطب حال العدة أولى.

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : روى الحسن أن الرجل يدخل على المرأة وهو يعرض بالنكاح فيقول لها : دعيني أجامعك ، فإذا أتممت عدتك أظهرت نكاحك. فالله تعالى نهى عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن يكون ذلك نهيا عن أن يسار الرجل المرأة الأجنبية؛ لأن ذلك يورث نوع ريبة فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : أن يعاهدها بأن لا يتزوج أحدا سواها.

                                                                                                                                                                                                                                            أما إذا حملنا السر على الموعود به ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : السر : الجماع ، قال امرؤ القيس :

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 114 ]


                                                                                                                                                                                                                                            وأن لا يشهد السر أمثالي

                                                                                                                                                                                                                                            وقال الفرزدق :

                                                                                                                                                                                                                                            موانع للأسرار إلا من أهلها     ويخلفن ما ظن الغيور المشغف



                                                                                                                                                                                                                                            أي الذي شغفه بهن، يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن .

                                                                                                                                                                                                                                            قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد لا يصف نفسه لها فيقول : آتيك الأربعة والخمسة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون المراد من السر النكاح؛ وذلك لأن الوطء يسمى سرا والنكاح سببه ، وتسمية الشيء باسم سببه جائز.

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( إلا أن تقولوا قولا معروفا ) ففيه سؤال، وهو أنه تعالى بأي شيء علق هذا الاستثناء.

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابه : أنه تعالى لما أذن في أول الآية بالتعريض، ثم نهى عن المسارة معها دفعا للريبة والغيبة ، استثنى منه أن يساررها بالقول المعروف، وذلك أن يعدها في السر بالإحسان إليها والاهتمام بشأنها والتكفل بمصالحها، حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض ، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية