الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فشربوا منه إلا قليلا منهم ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ أبي والأعمش ( إلا قليل ) قال صاحب " الكشاف " : وهذا بسبب ميلهم إلى المعنى ، وإعراضهم عن اللفظ ، لأن قوله : ( فشربوا منه ) في معنى : فلم يطيعوه ، لا جرم حمل عليه كأنه قيل : فلم يطيعوه إلا قليل منهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قد ذكرنا أن المقصود من هذا الابتلاء أن يتميز الصديق عن الزنديق ، والموافق عن المخالف ، فلما ذكر الله تعالى أن الذين يكونون أهلا لهذا القتال هم الذين لا يشربون من هذا النهر ، وأن كل [ ص: 155 ] من شرب منه فإنه لا يكون مأذونا في هذا القتال ، وكان في قلبهم نفرة شديدة عن ذلك القتال ، لا جرم أقدموا على الشرب ، فتميز الموافق عن المخالف ، والصديق عن العدو ، ويروى أن أصحاب طالوت لما هجموا على النهر بعد عطش شديد ، وقع أكثرهم في النهر ، وأكثروا الشرب ، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى ، فلم يزيدوا على الاغتراف ، وأما الذين شربوا وخالفوا أمر الله فاسودت شفاههم وغلبهم العطش ولم يرووا ، وبقوا على شط النهر ، وجبنوا على لقاء العدو ، وأما الذين أطاعوا أمر الله تعالى ، فقوي قلبهم وصح إيمانهم ، وعبروا النهر سالمين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : القليل الذي لم يشرب قيل : إنه أربعة آلاف ، والمشهور وهو قول الحسن أنهم كانوا على عدد أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر وهم المؤمنون ، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر : أنتم اليوم على عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاز معه إلا مؤمن ، قال البراء بن عازب : وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية