الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ) فالمعنى أنه عرف بالدلائل القاهرة والمعجزات الباهرة أن هذا القرآن وجملة ما فيه من الشرائع والأحكام نزل من عند الله تعالى ، وليس ذلك من باب إلقاء الشياطين ، ولا من نوع السحر والكهانة والشعبذة ، وإنما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بما ظهر من المعجزات القاهرة على يد جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            فأما قوله : ( والمؤمنون ) ففيه احتمالان : أحدهما : أن يتم الكلام عند قوله : ( والمؤمنون ) فيكون المعنى : آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه من ربه ، ثم ابتدأ بعد ذلك بقوله ( كل آمن بالله ) والمعنى : كل واحد من المذكورين فيما تقدم ، وهم الرسول والمؤمنون آمن بالله .

                                                                                                                                                                                                                                            الاحتمال الثاني : أن يتم الكلام عند قوله : ( بما أنزل إليه من ربه ) ثم يبتدئ من قوله : ( والمؤمنون كل آمن بالله ) ويكون المعنى أن الرسول آمن بكل ما أنزل إليه من ربه ، وأما المؤمنون فإنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، فالوجه الأول يشعر بأنه عليه الصلاة والسلام ما كان مؤمنا بربه ، ثم صار مؤمنا به ، ويحتمل عدم الإيمان على وقت الاستدلال ، وعلى الوجه الثاني يشعر اللفظ بأن الذي حدث هو إيمانه بالشرائع التي أنزلت عليه ، كما قال : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) [ الشورى : 52 ] وأما الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على الإجمال ، فقد كان حاصلا منذ خلقه الله من أول الأمر ، وكيف يستبعد ذلك مع أن عيسى عليه السلام حين انفصل عن أمه قال : إني عبد الله آتاني الكتاب ، فإذا لم يبعد أن عيسى عليه السلام كان رسولا من عند الله حين كان طفلا ، فكيف يستبعد أن يقال : إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان عارفا بربه من أول ما خلق كامل العقل .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 113 ] المسألة الثالثة : دلت الآية على أن الرسول آمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وإنما خص الرسول بذلك لأن الذي أنزل إليه من ربه قد يكون كلاما متلوا يسمعه الغير ويعرفه ويمكنه أن يؤمن به ، وقد يكون وحيا لا يعلمه سواه ، فيكون هو صلى الله عليه وسلم مختصا بالإيمان به ، ولا يتمكن غيره من الإيمان به ، فلهذا السبب كان الرسول مختصا في باب الإيمان بما لا يمكن حصوله في غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية